في صفة رضاع الكبير الذي تثبت فيه الحرمة
السـؤال:أنا شابٌّ تربيت في بيت أحد المحسنين، من أمٍّ لا أعرف غيرَ اسمها وأبٍ مجهول، وبعد مُدّة من الزمن عَلِمت أنّ هذه
المرأة التي رعتني لا يجوز لي الخلوة بها، ولا أن تكشف لي زينتها، ثمّ اطلعت على فتوى في حكم رضاع الكبير،
فقمت بشرب مقدار كوب تقريبًا من حليب بنت أخيها قسمته على خمس جرعات في مجلس واحد، ثمّ طلبت كوبًا آخر
خوفًا من أن لا يكفي الأوّل فشربته على خمس جرعات في مجلس واحد أيضًا، فهل هذا الرضاع محرّم وكيف أتعامل
مع مرضعتي وهل لهذين المحسنَين حقّ الوالدين في البر والصلة؟ وهل يحلّ لزوجتي أن تبديَ زينتَها لأبي علمًا أني
أعيش اليوم معهما في بيت واحد؟ أرجو التفضّل بالإجابة حتى يذهب عني القلق والحيرة.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم
الدين، أمّا بعد:
فالأصل الراجحُ من مذاهب العلماء أنّ الرضاعَ المعتبرَ والمؤثّرَ هو خمسُ رضعات في الحولين الأَوَّلَين من عُمُر
الرضيع، غيرَ أنّ الحاجةَ إذا دَعَت إلى إرضاع الكبير الذي لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشقّ احتجابُها منه،
فإنّ الحُرمة تثبت بالرضاع كالحاجة التي دعت سهلةَ بنت سهيل زوج أبي حذيفة إلى إرضاع سالم مولى أبي حذيفة
وهو كبير بأمر النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم حيث قال لها: «أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ»(١- أخرجه مالك:
(1265)، وابن حبان: (4215)، وأحمد: (25122)، من حديث عروة بن الزبير. قال الألباني في «الإرواء»
(6/263): «وظاهر إسناده الإرسال، ولكنّه في حكم الموصول فإنّه عند الآخرين عن عروة عن عائشة، وزاد أبو
داود: «وأم سلمة»، وصحح إسناده الحافظ (9/122)» أهـ)، وما سوى ما دعت إليه الحاجة لا يجوز إرضاع
الكبير، وهو مذهب ابن تيمية وابن القيم واختاره الشوكاني –رحمهم الله-، وهو المذهب الذي تجتمع فيه كافة الأدلةّ
وتتوافق.
هذا، ولا يشترط –عند جمهور العلماء- التقام ثدي المرضعة وإنما كما يتحقّق التحريم بالمصِّ يتحقّق بما إذا حُلب له في
إناء وشربه منه بأي صفة كانت سواء وَجُورًا [وهو ما وضع له في الفم] أو سعوطًا [وهو ما وضع له بالأنف]،
وتتحقّق المحرمية بالرضاع في جانب المصاهرة -أيضًا- وهو مذهب الجمهور وقول الأئمة الأربعة، خلافًا لابن تيمية
وابن القيم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُحْرَمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يُحْرَمُ مِنَ النَّسَبِ»(٢- أخرجه البخاري في
«الشهادات»: (2502)، والنسائي في «النكاح»: (3306)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه
النسائي في «النكاح»: (3301)، وابن ماجه في «النكاح»: (1937)، وابن حبان: (4223)، وأحمد:
(24191)، من حديث عائشة رضي الله عنها)، وعليه فإنّ المحرمية تتحقّق مع عمّته من الرضاع بسبب رضاعه من
بنت أخيها، أما زوجة الرضيع فأجنبية على زوج عمّته من الرضاع فلا يجوز إبداءُ مواضعِ الزينة أمامه.
هذا، ويلتزم اتجاه مَن قام بتربيته ورعايته بنفس الآداب والحقوق التي يلتزم بها مع والديه خصوصًا ومع أهل الإسلام
عمومًا، لأنهما بمنْزِلة والديه، تربيةً وتعليمًا ورعايةً وإنفاقًا، فالواجب صِلَتُهُما وبِرُّهما والإحسانُ إليهما، قال تعالى: ﴿إِنَّ
اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي القُرْبَى﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿فَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الروم: 38].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه
إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 5 من ذي القعدة 1427ﻫ
الموافق ﻟ: 25 ديسمبر 2006م
١- أخرجه مالك: (1265)، وابن حبان: (4215)، وأحمد: (25122)، من حديث عروة بن الزبير. قال
الألباني في «الإرواء» (6/263): «وظاهر إسناده الإرسال، ولكنّه في حكم الموصول فإنّه عند الآخرين عن عروة
عن عائشة، وزاد أبو داود: «وأم سلمة»، وصحح إسناده الحافظ (9/122)» أهـ.
۲- أخرجه البخاري في «الشهادات»: (2502)، والنسائي في «النكاح»: (3306)، من حديث ابن عباس رضي
الله عنهما. وأخرجه النسائي في «النكاح»: (3301)، وابن ماجه في «النكاح»: (1937)، وابن حبان: (4223
)، وأحمد: (24191)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
من هنــــــــــــــا للتوثيق