السلام عليكم
الشبهة الأولى
(أن ما وقع فيه سيد قطب لا شك أنه خطأ، لكن سيد لم يقصد الوقوع في الخطأ، بدليل أنه نذر دمه وقلمه في الدفاع عن الإسلام حتى قتل في سبيل ذلك شهيداً وقال قولته المشهورة، لما طلب منه أن يخضع للطاغوت:ـ (إن الإصبع التي شهدت أن لا إله إلا الله تأبى أن تخضع للطاغوت ..)
أ - الجواب قوله: ( لكن سيد لم يقصد الوقوع في الخطأ ).
أقول:ـ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمنّاه وقربناه ، وليس إلينا من سريرته شيء، الله حسيبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنه ) رواه البخاري.
فنحن ليس لنا إلا الظاهر، وأما مسائل النيات فترجع إلى الله وهو حسيبها، ثم هل أنت شققت عن صدره حتى تعلم أنه يقصد أولا يقصد، ولو قلنا بهذا القول لما رددنا على أي مبتدع، احتجاجاً بهذه المقولة ومن ثم ينحل نظام الإسلام بذلك، لذلك انبرى علماء الإسلام في رد الخطاء وتبينه نصحاً للأمة.
ب ـ قوله ( ونذر دمه وقلمه في الدفاع عن الإسلام حتى قال قولته المشهورة...) .
أقول:ـ
1 - ما هذا الإسلام الذي يدافع عنه سيد قطب حتى كفرني وإياك وكفر آبائنا، ووصم مساجدنا بأنها معابد الجاهلية، وحتى طعن في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حاملي الإسلام، إنه والله إسلام فريد من نوعه !!! وإليك أخي الحبيب هذه القصة:ـ
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم بعض العطايا على بعض أصحابه دون البعض تأليفاً لهم، فجاء رجل كث اللحية، غائر العينين ناتئ الجبين فقال:ـ اتق الله يا محمد واعدل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني، ثم أدبر الرجل، فقال خالد بن الوليد دعني أضرب عنقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:ـ ( إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلتهم قتل عاد ) [2/741].
والشاهد من هذه القصة أن هذا الرجل ( ذو الخويصرة) تصور عدلاً في رأسه غير العدل الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فبناءً عليه حكم على من خالفه بالضلال، حتى بلغ الأمر أن يتهم الصادق الأمين بالخيانة.
وهذا ما وقع فيه سيد قطب، فهو قد تصور إسلاماً في رأسه غير الإسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - مما جعله يكفر الأمة بأجمعها ويصم معابدها بأنها معابد جاهلية، حتى دفعه هذا التصور أن يكفر حكام بني أمية وبني العباس،ويطعن في كبار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كعثمان ومعاوية رضي الله عنهما.
وهذا الخطأ العظيم يأتي من تحكيم العقل أمام النصوص الشرعية وقد وقع في ذلك فئام من الناس كالخوارج والمعتزلة خاصة، وأهل البدع عامة.
وأيضاً يؤخذ من هذه القصة التي سبقت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أنه سيخرج أقوام من ضضئي هذا الرجل ـ أي من أجناسه وأشباهه ـ صفتهم أنهم كثيري الصيام والصلاة وقراءة القرآن، وهذا يدل على قوة إخلاصهم، لكنه في آخر الحديث أقسم - صلى الله عليه وسلم - ـ وهو الصادق المصدوق ـ أنه إن لقيهم سيقتلهم قتل عاد وثمود، وقال عنهم في بعض الروايات (هم كلاب أهل النار )! فما لذي أوصلهم إلى هذا التيه مع إخلاصهم الشديد؟!!
الجواب يكمن في نقطة واحدة هي عدم اتباعهم لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وخلفاءه الراشدين، بل استحسنوا أشياءً فعملوا بها ظانين أنها الحق.
2 - أن ثبات "سيد" على موقفه حتى قتل على ذلك " شهيداً " !!! لا يدل على صحة ما ذهب إليه، فلا بد مع الإخلاص، المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهدي السلف الصالح، وإليك هذه القصة:ـ
روى أهل السير أن عمر بن الخطاب، أمر عمرو بن العاص أن يقرب بيت عبد الرحمن بن ملجم إلى المسجد حتى يرى الناسُ صلاته وعبادته فينشطوا في ذلك، وحتى يُعلّم الناس القرآن والفقه، وكان رجلاً زاهداً عابداً، إلا أن عبد الرحمن بن ملجم ـ فيما بعد ـ أخذ برأي الخوارج فانطلق حتى أتى الكوفة ـ وفيها مسكن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ـ فترصد لعلي ذات يوم خلف باب بيته بعد أذان الفجر، فلما خرج "علي" من منزله لصلاة الفجر ضربه هذا الشقي بسيفه في مفرق رأسه حتى خضب الدم لحيته رضي الله عنه فمكث علي رضي الله عنه ـ يسيراً ثم مات بعد أن قُبض على عبد الرحمن بن ملجم ـ وكان يرى قتل "علي" قربة إلى الله ـ فأُحضر ابن ملجم للقصاص، فقال أبناء علي:ـ دعونا نشتفِ من قاتل أبينا (أي نشفي صدورنا منه) فبدءوا بعينيه فكحلوهما بالحديد المحمي، فسالتا على خديه ومع ذلك لم يتراجع عن موقفه من تكفيره "لعلي"، ولم يجزع ولم يتحرك بل شرع بقراءة القرآن فبدأ بـ ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ..). ثم قطعوا يديه ـ وهو مستمر في القراءة ـ ثم قطعوا رجليه وهو مستمر في القراءة لا يتحرك ولا يجزع. فقالوا:ـ اقطعوا لسانه، فاضطرب وجزع، فقيل له:ـ لماذا جزعت؟ قال: أخشى أن تقطعوني عن ذكر الله، فشدوا لسانه وقطعوه ثم أحرقوه ا.هـ [تاريخ الإسلام للذهبي].
وأجمع أهل السنة والجماعة أن عبد الرحمن بن ملجم، رجل خارجي ضال مجرم آثم، ولم يغتروا بصلاحه، ولا بشدة صبره وعبادته، بل ذهب جمع من أهل العلم إلى تكفيره لأدلة من السنة قامت عندهم، ليس هذا موضع ذكرها. ومع هذا كله، مازال عبد الرحمن بن ملجم يعظمه أئمة الخوارج عليهم لعائن الله، كما قال عمران بن حطان يمدح ابن ملجم وفعلته النكراء.
يـــاضربة من كمي ما أراد بهــ*** ا إلا ليبلــغ عنـــد الله رضــوانا
إني لأذكــره يـومــاً فــأحبسه *** أو في البرــية عنـد الله ميــزانــا
لله در المـــرادي الـذي سفكـت*** كفــاه مـهـجـة شر الخلق إنسانا
- فرد عليه علماء الإسلام ومنهم الطبري بقوله:ـ
إني لأبـــرا ممـــا أنت ذاكـره***عن ابن ملجم الملعـــون بهتانا
إني لأذكــره يـومــاً فــألـعنـه*** دينـا، وألـعن عمران بن حطانا
فـأنـتـما من كلاب النار جـــاء*** به نص الشريعة إعـلانــا وتبيانا
فانظر ـ يا أخي ـ إلى عبد الرحمن بن ملجم، كان من العباد الزهاد الذين أمر عمر بتقريب بيته للمسجد كي يروا الناس ما فيه من عباده، فينشطوا على العبادة، ومع ذلك لما ابتدع في الدين وكفر علياً وقتله لم يقولوا "نوازن بين حسناته وسيئاته" !!!
جـ ـ قوله:ـ ( حتى قتل في سبيل الله شهيداً).
أقول
1 - سئل الشيخ محمد بن عثيمين عن إطلاق (شهيد) على شخص بعينه فيقال الشهيد فلان؟ فأجاب قائلاً ( لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد حتى لو قتل مظلوماً أو قتل وهو يدافع عن الحق، فإنه لا يجوز أن نقول فلا الشهيد، وهذا خلاف لما عليه الناس اليوم حيث رخصوا هذه الشهادة، وجعلوا كل من قتل حتى ولو كان مقتولاً في عصبية جاهلية، يسمونه:ـ شهيداً، وهذا حرام، لأن قولك عن شخص قتل : هو ( شهيد) يعتبر شهادة سوف تسأل عنها يوم القيامة، سوف يقال لك: ـ هل عندك علم أنه قتل شهيد؟ ولهذا لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما.. الخ ) فتأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( والله أعلم يمن يكلم في سبيله ) ـ "يكلم" يعني يجرح ـ فإن بعض الناس قد يكون ظاهره أنه يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولكن الله يعلم ما في قلبه، وأنه خلاف ما يظهر من فعله، ولهذا بوب البخاري على هذه المسألة في صحيحه فقال ( باب لا يقال فلان شهيد ) لأن مدار الشهادة على القلب، ولا يعلم ما في القلب إلا الله عز وجل، فأمر النية أمر عظيم، وكم من رجلين يقومان بأمر واحد يكون ما بينهما كما بين السماء والأرض، وذلك من أجل النية ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إنما الأعمال بالنيات...) والله أعلم [ فتاوى ابن عثيمين 1/ 199].
2 - أما قول سيد:ـ إن الإصبع التي شهدت أن لا إله إلا الله تأبى أن تخضع للطاغوت ..] فأقول:ـ
أ ـ هل سمعتم سيداً يقول هذا ؟!! أم عندكم أسانيد صحيحة تؤكد لكم هذه؟!! مع العلم ـ يا أخي ـ أن سيداً لا يعرف أين قتل، وإنما نشر الخبر بقتله فقط وقد نقل صلاح الخالدي هذه القصة بصيغة التمريض. [انظر :ـ سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد].
ب ـ ولو سلّم ـ تنازلاً ـ أن سيداً قال هذه المقولة عند قتله، فإن هذه الإصبع التي زعم صاحبها أنها شهدت أن لا إله إلا الله قد خضعت لأكبر طاغوت، ألا وهو طاغوت الهوى واتباع الظن، فإن هذه الإصبع التي امتنعت عن التوقيع قد كتبت:ـ القول بوحدة الوجود، وكفرت الأمة الإسلامية، وطعنت في بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكفرت بعضهم، وكتبت القول بخلق القرآن، والقول عن مساجد المسلمين بأنها معابد الجاهلية، وتهونيه من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وردت خبر الآحاد، بالتفويض في صفات الله عز وجل ـ إلى آخر هذه الضلالات والبدع .
الشبهة الثانية
(لو أن كل إنسان وقع في خطأ هجرناه وكتبه لما بقي لنا أحد من العلماء، لكن نعامل كتب سيد كما تعاملنا مع كتب ابن حجر والنووي في العقيدة).
الجواب: ـ سبحان الله !!! ( يجادلونك في الحق بعد ما تبين ) والله إنه لمن الظلم أن أقارن كتب سيد بكتب ابن حجر والنووي رحمهما الله.
ألم ترأن السيف ينقص قدره * * * إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
1- أين مكانة الأخطاء عند النووي وابن حجر من تأويل لبعض الصفات فقط، ممن أول الصفات وعطلها ... وكفر الأمة الإسلامية.... وطعن في بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وكفر بعضهم .. وقال بخلق القرآن .. ونفى الكلام عن الله .. واضطرابه في وحده الوجود .. وقال عند مساجد المسلمين بأنها معابد الجاهلية .. ورد أخبار الآحاد .. إلى آخر الضلالات والبدع والخرافات.
أقول لمن قال ذلك:ـ إئتني بكلام لا بن حجر أو النووي قالا مثل قول سيد قطب حتى أقرنهم مع بعض.
2- إن ابن حجر والنووي من مجتهدي الأمة، وكونهم وقعوا في بعض التأويل، فالشبهة كبيرة وهم معذورون بذلك، لأنهم من المجتهدين، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد الحاكم فأخطا فله أجر واحد ) هذا في حق من بلغ رتبة الاجتهاد ولم يأت بما يخالف صريح الكتاب والسنة أما "سيد" فليس من المجتهدين بل ليس من العلماء بشهادة أحبابه ومتبعيه.
3- إن ابن حجر والنووي رحمهما الله، قد خدموا السنة النبوية شرحاً وتقريباً وتقسيماً وتخريجاً حتى ـ والله ـ لمن الصعب فهم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عن طريق كتبهم، أما سيد فمالذي عمله في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل طعن في حملة السنة إلينا من الصحابة وتابعيهم، ورد أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآحاد بغير دليل، بل من يقرأ في كتب ابن حجر والنووي يحب السنة ويعظمها، أما من يقرأ في كتب المفكرين المنحرفين تورثه الجرأة على رد السنة وتأويلها وتقديم الرأي عليها عياذاً بالله من ذلك.
4-- وهو الأهم:ـ أن علماء الإسلام لم يسكتوا عن زلات ابن حجر والنووي رحمهما الله، بل ردوا عليهما في أخطاء هما، وصنفوهم من الأشاعرة في بعض أبواب العقيدة، وإن كانوا يترحمون عليهم ويرون أنهم مجتهدون معذورون، فهل أنتم فعلتم هذا بسيد قطب؟! أم أنكم جعلتم له خصوصية فلايرد عليه ولا يتكلم في حقه.. وإن كنتم تجعلونه كابن حَجْر والنووي فلما ضربتم حجراً فكرياً على كتبالرادين على سيد قطب، ولم تجعلوا حَجْراً فكريا على كتب الرادين على ابن حَجْر والنووي رحمهما الله ؟!!
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=1458