بسم الله الرحمن الرحيم
245 ـ سوء الظن من أمراض القلوب فما حقيقته وأسبابه وطرق علاجه؟
سوء الظن فيه تفصيل على النحو التالي:
1ـ سوء الظن بالله تعالى كفر، قال تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [سورة آل عمران: آية 154]، وقال تعالى في المنافقين: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [سورة الفتح: آية 6].
2ـ سوء الظن بالمؤمنين والأبرياء وهذا لا يجوز، لأنه ظلم للمؤمن والمطلوب من المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، وسوء الظن بالمسلم يسبب البغضاء بين المسلمين.
3ـ سوء الظن بأهل الشر والفساد وهذا مطلوب؛ لأنه يسبب الابتعاد عنهم وبغضهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان - حفظه الله - (... الحق الرابع من الحقوق أن تُجنِّب أخاك سوء الظن به, لأن سوء الظن به مخالف لما تقتضيه الأخوة، مقتضى الأخوة أن يكون الأخ لأخيه فيه الصدق والصلاح والطاعة، هذا الأصل في المسلم، الأصل في المسلم أنه مطيع لله جل وعلا، فإذا كان من إخوانك الخاصة، فإنه يكون ثم حقان؛ حق عام له، وحق خاص بأن تجنبه سوء الظن، وأن تحترس أنت من سوء الظن، والله جل وعلا نهى عن الظن، فقال سبحانه ?اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ?[الحجرات:12] قال العلماء على قوله جل وعلا (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) أن الظن منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود، فما كان من الظن محمودا، هو ما كان من قبيل الأمارات والقرائن التي هي عند القضاة، وعند أهل الإصلاح، وأهل الخير، الذي يريد النصيحة أو يريد إقامة القرائن والدلائل عند القاضي، فالقاضي يقيم الحجة ويطلب البيّنة، وكثير منها قائم في مقام الظنون، لكن هنا يجب أن يأخذ بها، فالاجتناب لكثير من الظن؛ وهذا الظن هو أن تظن بأخيك سوءا، أن تظن بأخيك شرا، وقد قال عليه الصلاة والسلام «إياكم والظن» فهذا عام، ظنٌّ من جهة الأقوال، ونهي عن الظن من جهة الأفعال، «فإن الظن أكذب الحديث» هذا نصه عليه الصلاة والسلام, الظن هو أكذب ما يكون في قلبك، فإن الظن أكذب الحديث إذا حدثتك نفسك من داخلك بظنون، فاعلم أن هذا هو أكذب الحديث، إذن حق أخيك عليك ألا تظن به إلا خيرا، وأن تجتنب معه الظن السيئ كما أمرك الله جل وعلا بذلك بقوله ?اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ?[الحجرات:12] فالظن السيئ إثم على صاحبه، يأثم به لأنه خالف الأصل، وقد روى الإمام أحمد في الزهد ورواه غيره أن عمر رضي الله عنه قال ناصحا: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا. لاحظ أنه نهى عن الظن السيئ في الأقوال، ما دام أن الكلام يحتمل الصواب، يحتمل الخير فلا تظنن السوء بأخيك، لأن الأصل أنه إنما يقول الصواب، لا يقول الباطل، فإذا كان الكلام يحتمل الصواب فوجِّه إلى الصواب، فيسلم أخوك من النقد ويسلم من الظن السيئ، وتسلم أنت من الإثم، وأيضا يسلم من التأثر؛ تسلم ويسلم هو من أن يتأثر به ويقتدى به، لهذا قال عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد المعروف قال: المؤمن يطلب المعاذير. يلتمس المعذرة؛ لأن الأحوال كثيرة، والشيطان يأتي للمسلم فيحدّد الحالة، يُحدِّد معنى الكلمة بشيء واحد حتى يوقع العداوة والبغضاء ?إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ?[المائدة:91]؛ الشيطان يحدد لك أن تفسير هذه الحالة هو كذا فقط، أن تفسير هذه المقالة هو كذا فقط، حتى تكون ظانّا ظنا سيئا فتأثم، وحتى يكون بينك وبين أخيك النفرة وعدم الائتلاف، وهناك أصل من الأصول في فهم الكلام وهو أن لكل كلام دِلالة؛ ودلالة الكلام عند الأصوليين متنوعة، ومن دلالاته ما يسمى بالدِّلالة الحملية، يعني دلالة السياق على الكلام، هناك كلام إذا أُخذ بمفرده دل على شيء، ولكن إذا أخذ بسياقه؛ يعني سباقه ولحاقه بما قبله وبما بعده أوضح المراد، فإذا الكلام صادر من مؤمن، صادر ممن بينك وبينه أخوة، سمعت منه كلمة فلا يأتي الشيطان وينفخ فيك أن تحمل هذه الكلمة على المحمل السوء، بل احملها على المحمل الخير يكن في قلبك إقامة المودة مع إخوانك، وأيضا لا يدخل الشيطان بينك وبين إخوانك ... )
ــــــــــــــــــــــــــــــــمكتبة الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - وقال فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان : نهى تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين فـ ((إن بعض الظن إثم )) وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة , وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الأقوال والأفعال المحرمة , فإن بقاء ظن السوء بالقلب , لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك , بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي , ويفعل ما لا ينبغي .
وفي ذلك أيضا إساءة الظن بالمسلم , وبغضه وعداوته , المأمور بخلاف ذلك منه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في شرح رياض الصالحين : قال الله تعالى :(( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم )) [ الحجرات 12 ] وعن ابي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ٌقال :" إياكم والظن , فإن الظّن أكذب الحديث " . متفق عليه . هذه الأحاديث من الأحاديث التي يتبين فيها أن الإنسان لا يتجسس على إخوانه المسلمين ولا يتتبع عوراتهم بل ما ظهر منها فإنه يعامل من أظهرها بما يليق به , وما لم يظهر فلا يجوز التجسس ولا التحسس , كما في حديث معاوية رضي الله عنه أن الإنسان إذا تتبع عورات المسلمين أهلكهم أو كاد أن يهلكهم , لأن كثيرا من الأمور تجري بين الإنسان وبين ربه , لا يعلمها إلا هو , فإذا لم يعلم بها أحد وبقي عليه ستر الله عز وجل , وتاب إلى ربه وأناب حسنت حاله ولم يطلع على عورته أحد , ولكن إذا كان الإنسان والعياذ بالله يتتبع عورات الناس , ماذا قال فلان وماذا فعل , وإذا ذكرله عورة مسلم , ذهب يتجسس , إما أن يصرح , وإما أن يلمح فيقول مثلا , قالوا إن فلانا قال كذا وكذا أو فعل كذا وكذا فينشر ما عنده عند الخلق والعياذ بالله , وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم , فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه " نسأل الله العافية جزاءً وفاقا , مثل من تتبع عورات المسلمين ليفضحهم , يتتبع الله عز وجل عورته حتى يفضحه - نسأل الله العافية - ولا يغنيه جدران ولا ستور , وكذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتى برجل تقطر لحيته خمرا , لكنه شربه مختفيا , ولكن هؤلاء القوم تجسسوا عليه حتى اخرجوه على هذه الحالة , فبين رضي الله عنه أن من أبدى لنا عورته أو عيبه أخذناه به , ومن استتر بستر الله فلا نؤاخذه , وهذا أيضا يدل على أنه لا يجوز التجسس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقال فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله الفوزان - حفظه الله - في منتقى الفتاوى :244 ـ يقول المولى تبارك وتعالى في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [سورة الحجرات: آية 12].
فهل يعني قوله: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [سورة الحجرات: آية 12] يعني أن الإنسان يظن بأخيه المسلم ظنًّا وهو لا يعلم هل صدر منه ذلك الأمر أم لا، فيقول: إن الله لم ينه عن الظن كله مثلما نهى عن الزنى حيث قال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [سورة الإسراء: آية 32] لم يقل: بعض الزنى، فهل هذا يعني أن الظن إلزام على كل الناس؟
الظن المنهي عنه هنا هو مجرد التهمة التي لا دليل عليها كمن يتهم غيره بالفواحش، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك، ونهيه سبحانه عن كثير من الظن من أجل أن يتثبت الإنسان ولا يندفع مع الظنون من غير تثبت لئلا يقع في الظن الذي فيه الإثم، ولم ينه عن كل الظن؛ لأن من الظن ما يجب اتباعه والأخذ به، فإن أكثر الأحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن كدلالة القياس ودلالة العموم، والظن المنهي عنه كأن يظن بأهل الخير سوءًا، فأما أهل السوء والفسوق فلنا أن نظن بهم شرًّا حسبما يظهر منهم، والله أعلم.