حضرة صاحب المعالي أخي المكرم الشيخ : محمد الأمين بن الشيخ محمد الخضر - حفظه الله ووفقه - .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وبعد :
فقد وصلنا خطابكم الكريم بتاريخ : 27/1/1344 هـ ، وفهمنا ما سألتم عنه .
والجواب - حفظكم الله ووفقكم - عن :
• الفرق بين ( الكفار ) و ( أهل الكتاب ) :
فهو أن ما ذكرتم : من أن القرآن فرَّق بين ( المشركين ) وبين ( أهل الكتاب ) ، واستشهدتم لذلك بآية المائدة : لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى . سورة المائدة ، ( الآية : 82 ) .
فهوا كما ذكرتم ؛ لأن العطف يقتضي بظاهره الفرق بين المعطوف والمعطوف عليه ، وقد تكرر في القرآن عطف بعضهم على بعضٍ كالآية التي تفضلتم بذكرها .
وكقوله تعالى : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ . سورة البينة ، ( الآية : 1 ) .
وقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ . سورة البينة ، ( الآية : 6 ) .
وقوله تعالى : مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ . سورة البقرة ، ( الآية : 105 ) .
وقوله تعالى : وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا . سورة آل عمران ، ( الآية : 186 ) .
إلى غير ذلك من الآيات .
وظاهر العطف يقتضي المغايرة بين المتعاطفين ؛ لأن عطف الشيء على نفسه يحتاج إلى دليلٍ خاص يجب الرجوع إليه ، مع بيان المسوغ لذلك - كما هو معلومٌ في محله - .
وما تفضلتم بذكره : من أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أمر بإلحاق أهل الكتاب بالمشركين في عدم دخول المسجد الحرام ، فمستنده المسوغ له : أن الله - جل وعلا - صرح في سورة التوبة : بأن أهل الكتاب من يهود ونصارى من جملة المشركين ، وإذا جاء التصريح في القرآن العظيم بأنهم من المشركين ، فدخولهم في عموم قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ . سورة التوبة : ( الآية : 28 ) . لا إشكال فيه .
وآية التوبة التي ببين الله فيها أنهم من جملة المشركين ؛ هي قوله تعالى : وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . سورة التوبة ، ( الآيات : 30 - 31 ) .
فتأمل قوله تعالى في اليهود والنصارى : سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ … الآيَة ، يظهر لك صدق اسم الشرك عليهم فيتضح ( كلمة غير مفهومة ) في عموم : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ .
ووجه الفرق بينهم بعطف بعضهم على بعضٍ ؛ هو : أنهم جميعًا مشركون . والمغايرة التي سوغت عطف بعض المشركين على بعضٍ ؛ هي : اختلافهم في نوع الشرك :
• فشرك المشركين - غير أهل الكتاب - كان : شركًا في العبادة ؛ لأنهم يعبدون الأوثان .
• وأهل الكتاب : لا يعبدون الأوثان ، فلا يشركون هذا النوع من الشرك ؛ ولكنهم يشركون شِرك ربوبيتة ؛ كما أشار له الله تعالى بقوله : اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ . سورة التوبة ، ( الآية : 31 ) .
ومن اتخذ أربابًا من دون الله ؛ فهو : مشرك به في ربوبيته . فادعاء أن عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله من الشرك في الربوبية ، ولما كان الشرك في الربوبية يستلزم الشرك في العبادة قال الله تعالى : وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . سورة التوبة ، ( الآية : 31 ) .
من فتاوى العلامة المفسر الأصولي فضيلة الشيخ
محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي
وهي فتاوى عما استفتاه فيه
الشيخ محمد الأمين بن محمد الخضر
عن مسائل شرعية ثلاث ، وهي بخط يده لم تطبع