الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد...
فهذا نقل يبين حال المدعو محمد حسان المصري
بسم الله الرحمان الرحيم
قال الشيخ أبو عبد الأعلى خالد بن عثمان المصري - حفظه الله - في شرحه وتعليقه على كتاب ( الكواشف الجلية للفروق بين السلفية والدعوات السياسية الحزبية البدعية ):
((... وهذا الداعية مُحَمَّد حسان - رده الله للحق - يتأثر بِمنهج المودودي، ويستشهد بتقريراته فِي عرضه لِمنهاج الدعوة الَّذِي يَجب عَلَى الشباب السير عليه.
فيقول فِي كتابه (خواطر عَلَى طريق الدعوة - جراح وأفراح) (ص58):
"ويقول الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى فِي كتابه القيم (منهاج الانقلاب الإسلامي): فالدولة لا تتكون إلا وفق ما يتهيأ لَهَا من العوامل الفكرية والخلقية والمدنية فِي المجتمع، كما قُلْتُ، فكما لا يُمكن أن تكون الشجرة منذ أول أمرها إلى أن يتم نَماؤها شَجرة كمثرى أو ليمون مثلاً، ثُمَّ إذا آن أوان إثْمارها انقلبت شَجرة تفاح أو رمان! كذلك الدولة الإسلامية فإنَّها لا تظهر دولة إسلامية بطريقة خارقة للعادة بل لابد لإيجادها وتَحقيقها من أن تظهر أولاً حركة شاملة مبنية عَلَى نظرية الحياة الإسلامية وفكرتها، وعلى قواعد وقيم خلقية وعملية توافق روح الإسلام، وقوائم طبيعية يقوم بأمرها رجال يظهرون استعدادهم التام للاصطباغ بِهذه الصبغة المخصوصة من الإنسانية، ويسعون لنشر العقلية الإسلامية ويبذلون جهدهم فِي بث روح الإسلام الخلقية فِي المجتمع ... هذا هُوَ الطريق للانقلاب الإسلامي، والسبيل الفطرية لتحقيق فكرة الدولة الإسلامية". اهـ
قُلْتُ: هكذا، إقامة الدولة الإسلامية هِيَ الهدف من الدعوة عِنْد هؤلاء، ليس الهدف هُوَ توحيد الله، بل لقد عكسوا القضية بأن جعلوا الغاية الَّتِي من أجلها بُعث الأنبياء والمرسلون -وهي توحيد الله- وسيلة لإقامة الدولة، لا أن الدولة هِيَ الوسيلة لإقامة توحيد الله فِي الأرض، والظاهر أنه قد حدث عنده خلط فِي الأمر بسبب تنازع موارده الَّتِي يستقي منها، فهو ينقل من كتب السلف، وفي نفس الوقت ينقل من كتب هؤلاء الحركيين الذين يعتبرهم أنَّهم هُم قادة الصحوة، فلذلك يتخذ تقريراتِهم مَنْهجًا يُسار عليه، فهو فِي بداية خواطره يُحدد سمات منهج الأنبياء فِي الدعوة، فيجعل من أبرز سِماته، كما قَالَ فِي (ص38): "والبدء بدعوة الناس إلى التوحيد الخالص، وعبادة الله عز وجل وحده".
ثُمَّ إذ به وسط بواعث الحركيين والحزبيين تغيب عنه هذه السمة البارزة لِمنهج الأنبياء، وتتغلب عليها عنده فكرة إقامة الدولة الإسلامية، ولا يَجد غضاضة فِي أن ينقل عباراتِهم -المستقاة من منهج الخوارج- مقرًّا لَهَا، مثل قول المودودي السابق: "هذا هُوَ الطريق للانقلاب الإسلامي"، وقد أكثر فِي طول كتابه من الدندنة بِمصطلحات الحزبيين: (الحركة الإسلامية)، (الصحوة)، (الطواغيت- بالمعنى الحزبي الضيق-)، (التكوين الفردي)، (التنظيم الجماعي)، (النظام الإسلامي)(1).. إلخ.
وَقَالَ فِي (ص7): "فإن من أخطر التحديات الَّتِي تُواجه الحركة الإسلامية المعاصرة هُوَ التعامل الخاطئ من بعض أفرادها مع النصوص العامة أو الخاصة، وذلك بسوء فهمها، ومن ثَمَّ بالاستشهاد به فِي غير محلها أو بوضعها فِي غير موضعها أو بدون فهم المناطات العامة والخاصة الَّتِي لابد منها للربط الصحيح السليم بين دلالات النصوص وحركة الواقع، وللخروج من هذا المأزق الحرج فلابد من العودة إلى سلف الأمة، وعلمائها الثقات لفهم نصوص الكتاب والسنة فهذا هُوَ المنهج المنضبط للفهم الصحيح." اهـ
قُلْتُ: فها هُوَ نَموذج آخر من التخليط المنهجي عِنْده، فقد استبدلَ فِي هذا الموضع - وفي مواضع أخرى - مصطلح (الحركة الإسلامية)(2) بِمصطلح (الدعوة السلفية)، جريًا منه عَلَى سنن الحزبيين، فإن الحركة الإسلامية عندهم تدخل فيها كل الأحزاب والجماعات بغض النظر عن حقيقة مناهجها البدعية، وهو يُدرك أن هذه الجماعات -الَّتِي تُمثل عنده الحركة الإسلامية- عندها مُخالفات هُوَ يعتبرها أخطاء اجتهادية وقعت للأسباب الَّتِي ذكرها فِي الفقرة السابقة، وهكذا هُوَ يشير إلى هذه الأخطاء إشارة مُجملة تشعر القارئ أنَّها لا تصل إلى حد البدع والضلالات الَّتِي تَخرج بِها هذه الجماعات عن مسمى الدعوة السلفية، ومن ثَمَّ استخدم مصطلح (الحركة الإسلامية) لأنه مطاط، وقد دعا أبناء هذه الحركة إلى العودة إلى سلف الأمة وعلمائها الثقات، ثُمَّ إذ به يقدم المودودي، وسيد قطب، وأبو الحسن الندوي، ويوسف القرضاوي، وَمُحَمَّد الغزالي، وصلاح الصاوي، عَلَى أنَّهم من علماء الأمة الثقات، خاصة فِي المسائل المنهجية الَّتِي يُطلقونَ عليها (المنهج الحركي) فأين ذهبَ الألباني، وابن باز، وابن عثيمين، وعبد الرزاق عفيفي، وغيرهم رحم الله الجميع وبارك الله في الأحياء؟!
ليسوا هؤلاء مقدَّمين فِي المنهج الحركي، لكن هؤلاء عندهم معظَّمين فِي مسائل الفقه، وتصحيح الأحاديث، وتقرير مسائل الأسماء والصفات فحسب، أمَّا المنهج الحركي للدعوة، فالعمدة فيه عندهم عَلَى من ذكرنا، لذلك كَانَ المرجع الأساسي عِنْده فِي تقريره معنى التوحيد ثُمَّ المنهج هِيَ كتابات سيد والمودودي، فَقَالَ فِي (ص55): "وهي – أي: كلمة التوحيد - إثبات لِحاكمية الله وحده(3)، فمع غياب المفهوم الصحيح الشامل لقضية التوحيد، غاب هذا المبدأ الكبير الَّذِي هُوَ من أخص خصائص الألوهية، ونَحَّى المسلمون - إلا من رحم ربك - شريعة الله جل وعلا، وأحلوا محلها القوانين الوضعية الفاجرة".
ثُمَّ أتبع هذا بنقل من ظلال القرآن لسيد فِي تقرير هذا، ثُمَّ قَالَ فِي (ص57): "ومن هذا المنطلق فقط ندرك أن من الخطأ البين أن تكون نقطة البدء عَلَى طريق دعوتنا الطويل.. ولبنة الأساس الأولى فِي هذا البناء الضخم الكبير، هِيَ الصدام مع السلطة"(4).
ثُمَّ قرر هذا الكلام بنقولات عن المودودي، وسيد: منها النقل السابق عن المودودي من كتابه منهاج الانقلاب الإسلامي، الَّذِي وصفه بأنه كتاب قيِّم.
وهكذا يرسم منهج الدعوة للشباب بقلم اثنين من كبار رءوس الحزبيين فِي هذا الزمان، بل لقد أهال عَلَى سيد قطب هالات من التمجيد والثناء لا تصدر إلا من القطبيين، فَقَالَ فِي (ص58) من نفس الكتاب:
"وأنقل لكم كلامًا رائعًا للرجل الَّذِي قدَّم قلمه وفكره وعقله ودمه للإسلام، لتقوم دولته فِي الأرض من جديد مرة أخرى إنه صاحب الظلال رحمه الله تعالى".
وسوف يأتي بإذن الله فِي الكاشف الثامن، نقل آخر عنه يمجِّد فيه سيدًا تمجيدًا عاليًا مِمَّا يُعطينا مزيدًا من الضوء عن حقيقة موقفه من سيد قطب.)) اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) ولو رجعنا إلى مقدمة الشيخ بن رمزان لعرفنا سبب اضطرابه لاختلاط مصادر التلقي عنده.
(2) وهل الدين حركة أو ثورة أو صحوة؟!!
(3) وهذه هِيَ شنشنة سيد، وَمُحَمَّد قطب وأتباعهم.
(4) رجاؤنا أن يراجع هذا الداعية منهج سيد قطب من خلال كتبه ليرى أنه قائم عَلَى تَهييج الشباب، وتَحريضهم للصدام مع السلطة، فإن قَالَ: قد كَانَ هذا قديمًا، وقد تراجعَ عنه سيد قبل موته، نقول له: فلم لَم تبين للشباب أن هذا المنهج الخارجي كَانَ موجودًا فِي كتابات قديمة لسيد قد تراجعَ عنها، ثُمَّ تردف هذا بالتحذير من هذه الكتب، مع علمك بأنَّها مازالت تُطبع حتَّى الآن، ومازال الشباب، يتأثرونَ بِها أيما تأثير، هذا مع عدم تسليمنا بصحة هذا التراجع.
ثُمَّ إن فحوى كلامه تُشعر القارئ بأن الصدام مع السلطة أمر وارد، ليس ممنوعًا منعًا نِهائيًا، لكن لا ينبغي البدء به، بل يؤخر إلى مرحلة متأخرة؛ والصدام مع السلطة معناه الخروج عَلَى ولاة الأمر بالقوة، وهو محرمٌ فِي البداية والنهاية.
وَكَان المنتظر منه -هداه الله- بعد أن نصح بوجوب العودة إلى سلف الأمة، أن يعضد هذه النصيحة بذكر نَماذج من أقوال السلف فِي تَحريم الخروج عَلَى السلاطين بالقوة، ويَجعلها هِيَ العمدة الَّتِي يرجع إليها الشباب فِي مثل هذه القضية المنهجية الخطيرة، لكن كانت العمدة عنده هِيَ كتابات سيد والمودودي.
******
من كتاب بعنوان الكواشف الجلية للفروق بين السلفية* والدعوات السياسية الحزبية البدعية
لفضيلة الشيخ
محمد بن رمزان آل طامي الهاجري ـ حفظه الله ـ
شرح وتعليق
أبي عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري
( ص 67 : 71 )
منقول
http://www.abu-bkr.com/sound.html