[[color:cf81=#000080:cf81]الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين المصطفى.
اما بعد:
.....إذن فالذين يتصوّرون قيام دولة الإسلام بمجرد عاطفةٍ إسلامية، وفكرٍ مجـرّد عن حـجّـة الشـرع يسمّونـه فكـراً إسلاميًّا! ونتفٍ من العلم يسمونها ( ثقافةً إسلاميةً!)، وأن التعليم مرحلة قادمة بعدها، فهؤلاء طالبو سراب؛ لأنهم يتخيَّلونها بلا قوة ولا أسباب، وأُولى القوّتين قوةُ الدين الذي عليه وعد الله المؤمنين بالنصر فقال: {وكان حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِين}؛ ولهذا قال ابن القيم: " ولما كان جهادُ أعداء الله في الخارج فرعاً على جهاد العبد نفسَه في ذات الله، كما قال النبي : » المجاهِدُ من جاهَدَ نفسَه في طاعة الله، والمهاجِرُ من هجَرَ ما نهى اللهُ عنه «( )، كان جهادُ النَّفْس مُقَدَّماً على جهاد العدوّ في الخارج وأصلاً له؛ فإنه مَن لم يجاهد نفسَه أولاً لتفعل ما أُمِرَت به وتترك ما نُهيَت عنه ويحارِبْها في الله، لم يمْكِنْهُ جهادُ عدوِّه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوِّه والانتصاف منه، وعدوُّه الذي بين جنبيه قاهرٌ له، متسلِّطٌ عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله؟! بل لا يمكنه الخروج إلى عدوِّه حتى يجاهد نفسه على الخروج.
فهذان عدوّان قد امتُحِن العبدُ بجهادهما، وبينهما عدوٌّ ثالثٌ، لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقفٌ بينهما يُثبِّطُ العبدَ عن جهادهما ويُخذِّلُه ويُرجِف به، ولا يزال يخيِّل له ما في جهادهما من المشاقِّ وترك الحظوظ وفَوْت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذَيْنك العدوَّيْن إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان، قال تعالى: {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، والأمر باتخاذه عدوًّا تنبيهٌ على استفراغ الوُسْع في محاربته ومجاهدته، كأنه عدوٌّ لا يفْتُر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس "( ).
هذا الكلام في غاية الجودة والوضوح، وهو تصحيح لمنهج الذين يرمون غيرهم بالحجارة وبيوتهم من زجاج! وفي الوقت نفسه يُعَظّمون الأسباب المادية حتى يروا أن عدوّهم تمكَّن لقوّته، والحق أنه لا يدخل عليهم العدوُّ بيوتَهم إلا إذا وَهَى بنيانُها؛ أي لا ينهزم المسلمون لقوّة عدوّهم ولكن لضعف إيمانهم، حتى ولو عَرِيَت أيديهم من الأسباب ـ بعد بذل الوسع ـ كفاهم الله ما نابهم، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " ومن سنة الله أن من لم يُمْكن المؤمنون أن يعيذوه( ) من الذين يؤذون الله ورسوله؛ فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، كما قدّمنا بعض ذلك في قصة الكاتب المفتري، وكما قال سبحانه: {فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِين. إنَّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِين} "( ).
وقال ابن القيم: " تالله! ما عَدَا عليك العدوُّ إلا بعد أن تَوَلَّى عنك الوَلِيُّ، فلا تظنّ أن الشيطان غَلَبَ ولكن الحافظ أَعْرَض "( ).
وقد عرفتَ أنك تُحْرَم ولاءَ ربك إذا تركتَ المأمور وركبتَ المحظور، كما أنك منصور بحفظك اللهَ في أمره ونهيه، فعاد الأصل إلى العلم؛ لأنه لا يُعرَف الأمر والنهي إلا به.
من مدارك النظر في السياسة للشيخ عبد المالك رمضاني.[/size]هذا والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين.[/size]
منقول شبكة سحاب[/size][/color]