بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا و يرضى ، و أشهد ان لا إله إلا الله و حده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله. أما بعد :
فقد وقفت على الرسالة الباطلة الموسومة بـ"تنبيه الحذاق إلى بطلان حديث الافتراق" لـ"حسن السقاف"، فبدا لي - في هذه العجالة - أن أبين تهافتها على وجه التنبيه والاختصار. والله الموفق لسبيل الرشاد.
فأقول : يعتقد السقاف أن حديث الافتراق ، - وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((... و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة )). و في رواية : (( ما أنا عليه وأصحابي)) - سببُ افتراق الأمة و إثارة القلاقل و الفتن بين المسلمين – كما صرح بذلك في مقدمة رسالته المذكورة- ، ولذلك يرى أن الحل المناسب لاجتثاث الخلاف بين الفرق تضعيف أحاديث الافتراق !
وقبل الخوض في ذلك ، لا بد من مناقشته في ثبوت الحديث أولا ، على حد قولهم : (( ثبت العرش ثم انقش)) . فقد زعم أنه "ينقد الحديث على طريقة أهل السنة وحسب موازينهم الحديثية" ، ثم لم ينقل عنهم ولا حرفا واحدا في تضعيفه ، مع العلم أن الترمذي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم وغيرهم صححوه – كما سيأتي- وهم من اهل السنة بلا ريب ! ...
وإليك أسانيد (1) الحديث كما أوردها السقاف ، والجواب عن طعونه فيها .
1/- حديث أبي هريرة :
أخرجه أحمد (2/232) وأبو داود (2/608) وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/208) ، والترمذي (5/25) وعنه ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص27) ، والحاكم (1/47) وعنه البيهقي في "الاعتقاد" (1/233) وابن حبان (14/140 و 15/125 ، 502) وأبو يعلى (10/317،381) وابن نصر في "السنة" (ص 23) والآجري في "الشريعة"(ص21) من طرق عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة . وهذا سند حسن.
وحاول السقاف إعلاله بمحمد بن عمرو بن علقمة ، فنقل قول يحيى بن سعيد ومالك : "ليس هو ممن تريد" وقول ابن حبان: "يخطىء" وقول ابن معين "ما زال الناس يتقون حديثه" . وقول ابن سعـد"يُسْتَضْعَف".
والجواب :
- أن يحيى بن سعيد قال في الراوي"ليس ممن تريد" لما طلب منه ابن المديني نقده على التشديد – كما في تهذيب التهذيب - ، فيكون معنى كلامه: ثقة دون الأثبات . ولذلك قال السيوطي في "رجال الموطأ" ( وثقه يحيى بن سعيد).اهـ.
- وأما مالك فقد روى عنه في "الموطأ" ، وهو لا يروي إلا عن ثقة أو صدوق( ) ، فإذا ضممنا قوله إلى منهجه في الرواية تحصل لنا أنه من مرتبة الصدوق عنده . والله أعلم. وقد قال ابن عبد البر : "لم يكن عنده إلا في عداد الشيوخ الثقات" التمهيد [13 / 48 ]
- و أما ابن حبان فقد قال "يخطئ" وهو يترجم له في "الثقات" ولا يضر الخطأ اليسير الراوي، لأنه ليس من شرط الثقة الا يخطئ. ثم أين السقاف من قول ابن حبان في كتاب " مشاهير علماء الأمصار" و قال : "من جلة أهل المدينة و متقنيهم"؟!.
- و أما قول ابن معين : ((مازل الناس يتقون حديثه)) فلأنه كان يضطرب في حديث أبي سلمة ، وليس ذلك مورثا للضعف هنا ، لأن محمدا لم يضطرب، وأيضا فإن لحديثه شواهد .
- وقد وثق محمدا جماعة:
فقال ابن المبارك: "لابأس به"
و قال يعقوب بن شيبة : "هو وسط ، و إلى الضعف ما هو"
وقال ابن عدى : "أرجو أنه لابأس به "
وقال النسائى : "ليس به بأس" . و قال فى موضع آخر :" ثقة"
وقال أبو حاتم الرازي :" صالح الحديث ، يكتب حديثه ، و هو شيخ"
وقال الجوزجانى : "ليس بقوى الحديث و يشتهى حديثه"
وقال ابن عبد البر : "ثقة محدث روى عنه الأئمة ووثقوه ولا مقال فيه إلا كما ذكرنا إنه يخالف في أحاديث
وأنه لا يجري مجرى الزهري وشبهه وكان شعبة مع تعسفه وانتقاده الرجال يثنى عليه" التمهيد 13 / 47
فتأمل - رعاك الله- كيف يعمد السقاف إلى أسوأ ما في الراوي فيثبته ، ويضرب بأقوال موثقيه عرض الحائط . ولعمر الله ، إنها لصفة أهل البدع . ورحم الله الإمام وكيع بن الجراح القائل : (( أهل البدع لايقولون إلا ما لهم ، وأما أهل السنة فيقولون ما لهم و ما عليهم))
- و أما قول ابن سعد : ((يستضعف)) فغير صريح في الجرح ، وتصديره بصيغة المبني للمجهول مشعر بتضعيف هذا القول ، فلا يعارض بمثله توثيق من تقدم ذكرهم.
فهذا محصل كلام الأئمة في محمد بن عمرو بن علقمة ، ومنه يلوح لك أن حديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن ، ولهذا أورده الذهبي في كتابه " الرواة المتكلم فيهم بما لايوجب رد روايتهم"، ولخص حاله الحافظ ابن حجر بقوله في "التقريب":"صدوق له أوهام"
فهذا هو الحق ما به خفاء **** فدعني عن بينيات الطريق
2/- حديث معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما
أخرجه أحمد (4/102) وعنه أبو داود (2/608). وأخرجه الدارمي (2/314) والحاكم (1/218) والطبراني في "المعجم الكبير" (19/376-377) وابن نصر ( رقم 50- 51) والآجري (ص21) و ابن أبي عاصم (1/28- 29) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(1/101- 102) من طرق : عن صفوان بن عمرو ، عن أزهر بن عبد الله ، عن أبي عامر الهوزني ، عن معاوية...
وهذا سند حسن أيضا.
وحاول السقاف إعلاله بأزهر الهوزني ، فقال فيه : "أحد كبار النواصب الذين كانوا ينتقصون سيدنا علياً عليه السلام وله طامات وويلات . قال الأزدي : يتكلّمون فيه وأورده ابن الجارود في كتاب الضعفاء." .اهـ.
أقول : وهذا الاعلال ليس بشيء!
1/- لأن الأزدي نفسه – مع علمه وفضله - متكلم فيه ، فأنى له الكلام في غيره ؟
فقد ضعفه الخطيب البغدادي ، وشيخه البرقاني ، وأهل الموصل .
وقال الذهبي: (( له كتاب كبير في الجرح والضعفاء عليه فيه مؤاخذات))(2 ) .
2/- ولأن ابن الجارود تكلم فيه لأجل النصب فقال:" كان يسب عليا" ، وليست البدعة مسقطة لحديث الراوي إذا كان من أهل الصدق والديانة – على الراجح من أقوال أهل العلم -
وأزهر صدوق : وثقه ابن حبان ، والعجلي. وقال الذهبي : "حسن الحديث ، لكنه ناصبي".وقال ابن حجر: "لم يتكلموا إلا فى مذهبه، و قد وثقه العجلى"، و قال في "التقريب": "صدوق تكلموا فيه للنصب" .
فمثله حسن الحديث ، فيقبل حديثه ، سيما وانه لم يرو ما يعضد بدعته كما يشترط بعض العلماء .والله أعلم
3/- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
وله طرق يشد بعضها بعضا ، والعجيب أن السقاف ادعى أنها "لا تخلو من كذاب أو وضاع أو مجهول" ! وأحال على ما يسميه "صحيح شرح الطحاوية"..ولم أطلع عليه.
ولذلك سأورد تلك الطرق مبينا مراتب رواتها على وجه الاختصار – من "كاشف الذهبي" ، و"تقريب ابن حجر"- تاركا التعليق لك ، فارجع البصر كرتين ، وأمعن النظر في حجج الفريقين ، واحكم بالعدل بين الخصمين !
الأولى : عن قتادة عنه:
أخرجه ابن ماجه (2/1322) قال: حدثنا هشام بن عمار :("الحافظ ، خطيب دمشق و عالمها"، وفي التقريب:"صدوق مقرىء كبر فصار يتلقن ، فحديثه القديم أصح")، حدثنا الوليد بن مسلم (عالم أهل الشام ...وكان مدلسا فيتقى من حديثه ما قال فيه عن ) حدثنا أبو عمرو(هو الأوزاعي"شيخ الإسلام ، الحافظ الفقيه الزاهد") ، حدثنا قتادة(الحافظ المفسر) ، عن أنس به.
وهذا سند رجاله ثقات ، سوى هشام بن عمار ، ففيه ضعف يسير، لكنه توبع :
تابعه :
موسى بن عامر ، وهو " ثقة مكثرعن الوليد" . وفي التقريب:"صدوق له أوهام" عن الوليد بن مسلم به . أخرجه الضياء في "المختارة" (7/90)
وتابعه أيضا عبد الملك بن الأصبغ البعلبكي (روى عنه أبو حاتم الرازي ، ووثقه أبو زرعة الدمشقي) إلا أنه قال "وستفترق أمتي على ثنتين وسبعين فرقة".
أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث"(35) من طريق أحمد بن محمد بن هاشم البعلبكي عنه . ولم أجد له ترجمة.
وتابع الأوزاعي عن قتادة : معمُر بن راشد ، فأرسله.
أخرجه عبد الرزاق (10/156). والوجهان صحيحان عن قتادة.
وتابعه أيضا الزبير بن عدي ،
أخرجه الخطيب في شرف "أصحاب الحديث". وسنده تالف ، لأنه من رواية بشر بن الحسين عنه ، قال عنه البخاري : "فيه نظر" ، و قال أبو حاتم : "يكذب عن الزبير" وقال ابن عدي : "عامة حديثه ليس بمحفوظ" وقال الدارقطني "متروك ... وله عن الزبير نسخة موضوعة"