ابو محمد السلفي
عدد الرسائل : 30 تاريخ التسجيل : 01/05/2007
| موضوع: قصة الأبرص والأقرع والأعمى الأربعاء يونيو 06, 2007 9:09 pm | |
| قصة الأبرص والأقرع والأعمى
«إن ثلاثةً في بني إسرائيل: أبرص، وأقرَع، وأعمى، بدا لله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أيُّ شيء أحبُّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ، وجلدٌ حسنٌ، قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب عنه، فأُعطي لوناً حسناً، وجِلداً حسناً، فقال: أيُّ المال أحبُّ إليك؟ قال: الإبل -أو قال: البقر، هو شكَّ في ذلك؛ أن الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل، وقال الآخر البقر-، فأُعطي ناقةً عُشًراء، فقال: يُبارَكُ لك فيها. وأتى الأقرع، فقال: أي شيءٍ أحبُّ إليك؟ قال: شعرٌ حسن ويذهب عني هذا، قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب، وأعطيَ شعراً حسناً. قال: فأيُّ المال أحبُّ إليك؟ قال: البقر، فأعطاه بقرةً حاملاً، وقال: يبارَكُ لك فيها. وأتى الأعمى، فقال: أي شيءٍ أحبُّ إليك؟ قال: يَرُدُّ الله بصري، فأُبصر به الناس. قال: فمسحه، فردَّ إلله إليه بصرهُ، قال: فأي المال أحبُّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطاه شاةً والداً. فأُنتج هذان، ووُلِّدَ هذا، فكان لهذا واد من الإبلِ، ولهذا وادٍ من بقر، ولهذا وادٍ من الغنم. ثم إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكينٌ تقطّعت بي الحِبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيراً أَتبلَّغ عليه في سفري. فقال له: إن الحُقوق كثيرةٌ. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيراً، فأعطاك الله؟ فقال: ورِثتُ لكابرٍ عن كابرٍ. فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت. ... وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثلما قال لهذا، فرد عليه مثلما ردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيَّرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجلٌ مسكينٌ، وابن سبيل، وتقطّعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاةً أتبلغ بها في سفري. فقال له: قد كنت أعمى فرد الله بصري، وفقيراً فقد أغناني، فخذ ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك». وقوله: «بدا لله» بتخفيف الدال، بغير همز؛ أي: سبق في علمه، فأراد إظهاره، ومثله قوله -تعالى-: {الآن خَفَّفَ اللهُ عنْكُم وعلِمَ أن فِيكُم ضَعْفاً} [الأنفال: 66]؛ أي: عَلِمَ عِلْمَ الظهور، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأن ذلك محالٌ في حقِّ الله -تعالى-، ووقع في رواية للبخاري ومسلم: «أراد الله أن يبتليهم»، «وهذا هو المحفوظ، وفي إسناد الأولى: (عبدالله بن رجاء)، وهو الغداني، وفي حفظه كلام. قال الحافظ في «التقريب»: «صدوق، يهم قليلاً»، ونسبة البداء إلى الله لا يجوز. ومال الحافظ إلى أن الرواية الأولى من تغيير الرواة، وظني أنه من الغداني كما ألمحت إليه، والرواية المحفوظة لم يستحضر الحافظ أنها عند المصنف، فعزاها لمسلم وحده!». أفاده شيخنا الألباني -رحمه الله- في «مختصر صحيح البخاري» (2/446). في مجيء الملَك إليهم وسؤاله إياهم عن الأحبِّ إليهم، وزوال ما بهم ونولِهم ما اختاروه من الأموال، ثم مجيئه إليهم بعد ذلك واحداً بعد واحد،ٍ في هيئة فقيرٍ مسكينٍ يلتمس نائلهم، فجحد كلٌّ من الأبرص والأقرع ما كان فيه قبل ذلك من الفاقة والعلة، ولم يعطِه شيئاً، وشكر الأعمى نعمةَ الله عليه فيما آتاه، وفوّض إلى الفقير أن يأخذ ما أحبَّ، فقال له: أمسك، فإنما ابتليتم فقد رضي عنك، وسَخِط على صاحبيك. وكذا رُوينا في «المجالسة» (1) من طريق هشام، عن الحسن أنه قال: قد كان الرجل يدَع المالَ إلى جنبه، ولو شاء أتاه فأصاب منه حلالاً، وإنه لمجهود شديد الجهد، فيقال له: رحِمك الله ألا تأتي هذا المال فتصيب منه، فيقول: لا إني والله ما أدري لعلي إن أتيتُه فأصبت منه شيئاً أن يكون فساد قلبي وعملي، فلا يقربه حتى يموت بجهده ذلك. وبهذا الحديث يقيد إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحمي عبده المؤمن الدنيا»(2)، وما أشبهه من الأحاديث التي في التنفير عنها، ولذلك كان أنس -رضي الله عنه- يقول: «اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى»(3). وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له»(4). وقال -تعالى-: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلاَّ} [الفجر:15] يقول سبحانه: ليس كل من كثّرتُ عليه الدنيا أكون قد أكرمتُه، ولا كل من قدّرتها عليه أكون قد أهنته، بل قد أوسعها على أعدائي إملاءً واستدراجاً، وقد أُقدِّرُها على أوليائي صيانةً وحمايةً وحفظاً(5). __________ *أخرجه البخاري (3464، 6653)، ومسلم (2964)، وابن حبان (314)، والبيهقي (7/ 219) من حديث أبي هريرة أنه سمع رسول صلى الله عليه وسلم (1) انظر «المجالسة» للدينوري (7/20 رقم 2860- بتحقيقي)، والأثر أخرجه أحمد -ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية»( 6/269)- عن صفوان بن هشام، وأحمد -ومن طريقه البيهقي في «الزهد الكبير» (29)- عن روح؛ كلاهما عن هشام، به. (2) سبق تخريجه (ص 135) . (3) قطعة من حديث تقدم (ص 147)، وأوله: «يقول الله -عزّ وجلَّ-: إنّ من عبادي...»، وبيَّنَّا ضعفه هناك. (4) لم نجده بهذا اللفظ إلا أن الإمام مسلماً أخرج في «صحيحه» (2999) بلفظ: عن صهيب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيراً له». وهو عند أحمد (4/332 و6/15، 16)، وابن حبان (2896)، والطبراني (7316، 7317)، والبيهقي (3/375)، وفي «الشعب» (9949)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (596)، وأبي نعيم في «الحلية» (1/154). وفي الباب عن أنس عند أحمد (3/117، 184 و5/24)، وابن حبان (728). وعن سعد عند الطيالسي (211)، وأحمد (1/173)، والبغوي في «شرح السنة» (1540)، والبيهقي (3/375-376) بأسانيد حسنة وصحيحة. (5) انظر: «تفسير الطبري» (24/376- هجر)، «الوسيط» (4/483)، «الوجيز» (2/1200)؛ كلاهما للواحدي، «الكشاف» (4/210)، «تفسير ابن كثير» (4/540)، «المحرر الوجيز» (15/441). | |
|