يقول الامام ابن القيم -رحمه الله-في كتابه -الداء والدواء- :
فمما ينبغي ان يعلم ان الذنوب والمعاصي تضر،ولا شك ان ضررها في القلوب كضرر السموم في الابدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا شر وداء الا سببه الذنوب والمعاصي؟.فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور الى دار الآلام والاحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء طرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع وبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحا وبالجنة نارا تلظى وبالايمان كفرا وبموالات الولى الحميد أعظم عداوة ومشاقة وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان فهان على الله غاية الهوان وسقط من عينه غاية السقوط وحل عليه غضب الرب تعالى فاهواه ومقته أكبر المقت فأرداه فصار قوادا لكل فاسق ومجرم رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وإرتكاب نهيك وماالذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى القتهم موتي على وجه الارض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت مامر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للامم الى يوم القيامة وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتي قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم وماالذي رفع قرى اللوطية حتي سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فاهلكم جميعا ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه علي أمة غيرهم ولاخوانهم أمثالها وما هي من الظالمين ببعيد وما الذي أرسل علي قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤسهم أمطر عليهم نارا تلظى وما الذى أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالاجساد للغرق والارواح للحرق وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بانواع العقوبات ودمرها تدميرا وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتي خمدوا عن آخرهم وما الذي بعث على بنى إسرائيل قوما أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علو تتبيرا وما لذي سلط عليهم بانواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملوك ومرة بمسخهم قردة وخنازير وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب قال الامام أحمد ثنا الوليد بن مسلم ثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال لما فتحت قبرس فرق بين أهلها فبكى بعضهم الى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكى فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا الي ما ترى .