بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق الحمد و أوفاه ، وصلى الله و سلم على نبيه و مصطفاه و على آله و صحبه و من اقتفى أثره و اهتدى بهداه ، وبعد :
فمن المعلوم أن المسلم حري بلزوم هدي المصطفى عليه السلام في جميع أحواله ، في تعبده لله جل و علا و في معاملته للخلق ، وفي خاصة نفسه ، عملا بقوله جل و علا : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا )) و غيره من النصوص . وهذا الذي كان عليه سلف الأمة ، وأخبارهم في التشبث بالهدي النبوي مشهورة منثورة ...
و المراد من هذه المقدمة بحث مسألة لطيفة ذكرها الحافظ ابن القيم – رحمه الله- في كتابه الماتع النافع (( زاد المعاد في هدي خير العباد)) وهي هدي النبي في كيفية الخرور إلى السجود...
عرض المسألة :
لما تكلم الحافظ ابن القيم - رحمه الله- على كيفية الهوي إلى السجود اختار تقديم الركبتين على اليدين . واستدل لذلك بحديث وائل بن حجر : ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)) .
ثم أورد حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) ، وأعل المتن بالانقلاب على الراوي لمخالفة آخره لأوله بناء على أن البعير يقدم يديه على ركبتيه عند البروك. قال : (وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله ولعله: وليضع ركبتيه قبل يديه).
واستروح لهذا بما روى المقبري عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل ))
ثم نقل إعلال الدارقطني و الترمذي و البخاري للوجه الأول من حديث أبي هريرة.
و حاول ترجيح حديث وائل بن حجر:
1- بحديث أبي هريرة الذي مر قريبا.
2- بحديث أنس قال : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه)) ونقل تضعيفه عن أبي حاتم .
3- وبما روي عن الصحابة كعمر و ابن مسعود أنهم كانوا يضعون أيديهم قبل ركبهم.
4- وبأمرين آخرين :
الأول : ما رواه ابو داود من حديث ابن عمر ان رسول الله نهى ان يعتمد الرجل على يديه في الصلاة وفي لفظ نهى ان يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة
قال :ولا ريب انه إذا وضع يديه قبل ركبتيه اعتمد عليهما فيكون قد اوقع جزءا من الصلاة معتمدا على يديه بالارض وايضا فهذا الاعتماد بالسجود نظير الاعتماد في الرفع منه سواء فإذا نهى عن ذلك كان نظيره كذلك
الثاني : ان المصلي في انحطاطه ينحط منه إلى الارض الاقرب إليها اولا ثم الذي من فوقه ثم الذي من فوقه حتى ينتهي إلى اعلى ما فيه وهو وجهه فإذا رفع رأسه من السجود ارتفع أعلى ما فيه اولا ثم الذي دونه حتى يكون آخر ما يرتفع منه ركبتاه والله
و الجواب على هذا كله يتلخص فيما يلي :
الأول :
ما استدل به من حديث وائل بن حجر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.
أخرجه أبو داود (1/282) و الترمذي (2/56) و النسائي (2/206 ،207) والدارمي (1/347) و ابن خزيمة (1/318-319) وابن حبان (5/237) و الدارقطني (1/345) و الطبراني في الكبير (22 /39) و الطحاوي في شرح المعاني (1/255) كلهم من طريق يزيد ابن هارون عن شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل به .
قال مقيده – عفا الله عنه - :
وهذا إسناد ضعيف ، تفرد به يزيد بن هارون عن شريك بن عبد الله القاضي ، وتفرد به شريك عن عاصم ، و شريك ليس بالقوي فيما يتفرد به كما قال الدارقطني ، لأنه تغير حفظه لما ولي القضاء بالكوفة فكان يخطئ كثيرا .
الثاني :
قوله : (ان قولهم : ركبتا البعير في يديه كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة وإنما الركبة في الرجلين وإن أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة فعلى سبيل التغليب)
يرده ما جاء في حديث أبي الدرداء الطويل : ...فجعل يقول نعم حتى إني لأقول وهو يرفع رأسه إليه ليبركن على ركبتيه . أخرجه أحمد (4/ 179) و أبو داود (2/455) وقال شعيب الأرناؤوط : إسناده محتمل للتحسين .اهـ. وحسنه الشيخ حمدي السلفي في الأمالي المطلقة لابن حجر (1/35) . ففيه دليل على أن البروك في اللغة تقديم الركبتين .
وأقوى من هذا ما جاء في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري (3693) ، وفيه قول سراقة : ((ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين)) ... فهو دليل بين على أن ركب ذوات الأربع في أيديها .
قال الطحاوي في شرح المعاني ( 1 / 254 ) : (إن البعير ركبتاه في يديه وكذلك في سائر البهائم وبنو آدم ليسوا كذلك).
وقال الزبيدي في تاج العروس (1/539) : (ركبة البعير في يده ، و قد يقال لذوات الأربع كلها من الدواب : ركب. و ركبتا يدي البعير: المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك) .
وقال ابن الأثير في النهاية (5/441) في حديث النهى عن نقرة الغراب و أن يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير :
(قيل: معناه أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه ، كالبعير لا يأوي من عطن إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخا .
وقيل : معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير).اهـ.
وفي هذا دليل على أن البعير يقدم ركبتيه عند البروك. فيخالفه المصلي بتقديم يديه على ركبتيه عند الهوي إلى السجود .
الثالث :
استرواحه لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل )).
رواه البيهقي (2/100) عن إبراهيم بن موسى ، و ابن أبي شيبة 1/235 وعنه أبو يعلى (11/414) من طريق محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة به .
و رواه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/255) عن ابن فضيل بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله .
قال مقيده – عفا الله عنه - :
وهذا إسناد ضعيف جدا تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري ، وهو متروك الحديث .
قال أحمد : منكر الحديث ، متروك الحديث .
و قال البخاري : تركوه .
وقال أبو حاتم : ليس بالقوي .
وقال يحيى بن سعيد : جلست إلى عبد الله بن سعيد بن أبى سعيد مجلسا فعرفت فيه ، يعنى : الكذب.
و قال ابن حبان : كان يقلب الأخبار حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها.
وبهذا يتبين لك سلامة حديث أبي هريرة من الاضطراب ، لأن شرط الاضطراب استواء الوجهين المتعارضين في القوة بحيث لا يمكن الجمع بينهما و لا الترجيح كما هو مقرر في أصول الحديث ، و هذا الوجه شديد الضعف ، فلا يصلح معارضا للوجه الآخر و سيأتي.
الرابع :
استشهاده بحديث أنس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه .
رواه الحاكم (1/243) وعنه البيهقي (2/99) من حديث حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس به . وقال : على شرطهما ولا أعلم له علة
ثم نقل أبي حاتم الرازي قوله عن هذا (هذا الحديث منكر) وقال : وإنما أنكره والله أعلم لأنه من رواية العلاء بن إسماعيل العطار عن حفص بن غياث و العلاء هذا مجهول لا ذكر له في الكتب الستة .
قال مقيده – عفا الله عنه - :
و له علة أخرى ذكرها الحافظ في لسان الميزان (4/182) ، قال : ( وخالفه عمر بن حفص بن غياث وهو من اثبت الناس في أبيه فرواه عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفا عليه وهذا هو المحفوظ والله اعلم) .اهـ.
فعلى هذا لا يصلح شاهدا لحديث وائل بن حجر لما به من الضعف الشديد .
الخامس :
ما روي عن عمر أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/236) فقال : حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم أن عمر كان يضع ركبتيه قبل يديه .
قال مقيده – عفا الله عنه - :
و هذا إسناد ضعيف لأن إبراهيم النخعي لم يدرك عمر.
و قد رواه حفص بن غياث فقال :ثنا الأعمش عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود قالا : حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير ووضع ركبتيه قبل يديه
أخرجه الطحاوي (1/256): حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا عمر بن حفص ثنا أبي به. وإسناده صحيح .
وهو حجة على الإمام ابن القيم ، لأن عمر قد خر على ركبتيه قبل يديه ، وهو عينه بروك البعير كما صرح به علقمة و الأسود !
السادس :
ما أخرجه الطحاوي (1/256) من طريق الحجاج بن أرطاة قال : قال إبراهيم النخعي : حفظ عن عبد الله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه.
قال مقيده – عفا الله عنه - :
ضعيف الإسناد : فيه حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف و مدلس .
السابع :
نقله إعلال الدارقطني و الترمذي و البخاري للوجه الأول من حديث أبي هريرة.
قال البخاري : محمد بن عبد الله بن حسن لا يتابع عليه .
وقال : لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا .
وقال الترمذي : غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه
وقال الدارقطني : تفرد به الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي عن أبي الزناد .
قال مقيده – عفا الله عنه - :
حديث أبي هريرة هذا رواه عبد العزيز الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. أخرجه أبو داود (1/283) و الدارمي (1/347) و الدارقطني (1/345) و البيهقي (2/99) وتمام في الفوائد (1/290) من طرق عن عبد العزيز الدراوردي به.
قال المنذري – رحمه الله- : (( ثم تفرد الدراوردي ليس مورثا للضعف لأنه قد احتج به مسلم وأصحاب السنن ووثقه إمام هذا الشأن يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما[1].
وأما قول البخاري محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه فليس بمضر، فإنه ثقة ولحديثه شاهد من حديث بن عمر وصححه بن خزيمة. قال ابن التركماني في الجوهر النقي : محمد بن عبد الله وثقه النسائي ، وقول البخاري: لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح، فلا يعارض توثيق النسائي )).اهـ .
نقله المباركفوري في "التحفة" (2/122-123) وقال عقبه :( وكذا لا يضر قوله – يعني البخاري - :"لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا" ، فإن محمد بن عبد الله ليس بمدلس ، وسماعه من أبي الزناد ممكن ، فإنه قتل سنة خمس وأربعين ومائة وهو بن خمس وأربعين ، وأبو الزناد مات سنة ثلاثين ومائة ، فيحمل عنعنته على السماع عند جمهور المحدثين ).انتهى.
وحديث عبد الله بن عمر المشار إليه في كلام المنذري هو ما أخرجه ابن خزيمة (1/318) و الحاكم (1/348) والدارقطني (1/344 – 345) و البيهقي (2/100) و الطحاوي في "شرح المعاني" (1/254) من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك . وقال الحاكم : على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي . وهو كما قالا. و بهذا رجح الحافظ حديث أبي هريرة فقال في بلوغ المرام بعد أن ذكره : ( وهو أقوى من حديث وائل بن حجر ، فإن للأول شاهدا من حديث ابن عمر صححه بن خزيمة وذكره البخاري معلقا موقوفا).
[ واعلم أن هذا الحديث - قد اعترض على صحته من وجوه منها:
1- أنه تفرد به الدراوردي به عن عبيد الله بن عمر ، كما نُقِل عن الدارقطني و الحازمي و البيهقي
و أجيبَ عليه بأن التفرد يحكيه الأئمة لاستغرابهم له ، لكنه غير صريح في إعلال الحديث ، إذ لوكان كذلك لصرحوا بخطأ الراوي .
و مع ما يثيره التفرد من استغراب وشكوك عند الأئمة ، فإن لهم أصلا شرعيا يرجعون إليه و هو قبول خبر الثقة ما لم يخالف نصوصا أخرى يمتنع الجمع بينها (وليس هذا بمقام بسطه)،
وإلا كيف نفسر تصحيح الترمذي أو تحسينه لكثير من الأحاديث مما يقول فيه : "صحيح غريب" ..."حسن غريب"... "حسن صحيح غريب" !!
ثم إن الحازمي في الاعتبار(ص43) ساق حديث سعد بن أبي وقاص :( كنا نضع الركبتين على اليدين فأمرنا بوضع اليدين على الركبتين ) وقال :(لو كان محفوظا لدل على النسخ) (فدل على أن حديث ابن عمر صحيح عنده ، لأن النسخ فرع عن التصحيح. وهذه قرينة تدل على أنه لا يعني بالتفرد إعلال الحديث.
فلم يبق لدينا إلا إعلال البيهقي ، وأجيبَ عليه بأن معنى كل من الحديثين منفصل عن الآخر . قاله ابن التركماني في حاشيته (2/145)
و أيضا فقد صححه الحاكم وابن خزيمة كما مر معنا ، ومهما قيل عن ابن خزيمة من تساهل فإنه إمام ناقد ، و أحكامه معتبرة عند أهل العلم و مثله الحاكم.
2- و منها : أن الدراوردي يقلب روايات عبد الله بن عمر العمري و يجعلها عن عبيد الله بن عمر..كما حكاه غير واحد من الأئمة.
و أجيبَ عليه بأن هذا حكم عام ، ولكنه لا يمنع من استثناء روايات ترجح للأئمة أنه حفظها ، ومنها هذه الرواية لما لها من شواهد ، ومن أمثلها فعل ابن عمر رضي الله عنه
3- ومنها الاعلال بالوقف ، إذ رواه البخاري في صحيحه من طريق أيوب السختياني عن أبي الزناد عن نافع عن ابن عمر معلقا موقوفا من فعله.
و أجيبَ عليه بأن أيوب اختصر الرواية ، فقصرها على الموقوف من فعل ابن عمر ، وعبد العزيز الدراوردي زاد رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فتكون زيادة من ثقة .
وهذا ما أشار إليه العلامة الألباني رحمه الله بقوله : (و عبد العزيز ثقة فلا يجوز توهيمه بمجرد مخالفة أيوب له ، فإنه قد زاد الرفع ، وهي زيادة مقبولة منه ، ومما يدل على أنه حفظه أنه روى المرفوع و الموقوف معا )][2]
وأما الدارقطني فإنه يقصد تفرد الدراوردي بزيادة : ( وليضع يديه قبل ركبتيه) ويدل لهذا أنه أخرج الحديث في سننه (1/345) و لم يتكلم عنه بشيء . ثم أخرج حديث وائل و أعله بتفرد شريك عن عاصم.
يقول مقيده عفا الله عنه :
وهذا من الإمام الدارقطني رحمه الله محمول على الحكاية لا الاعلال ، إذ لو كانت الزيادة معلولة عنده لصرح بذلك ، ويؤيد هذا أن الدراوردي ثقة مشهور ، وقد "احتج به مسلم وأصحاب السنن ووثقه ابن معين وابن المديني وغيرهما" - كما تقدم من كلام المنذري رحمه الله- .
و زيادته لا تخالف أصل الحديث ، لأن فيه نهيا عن بروك كبروك الجمل ، و الجمل يقدم الركبتين ، فيخالفه المصلي - بمقتضى هذا الحديث - ، ويقدم اليدين -كما مر شرحه -
وقد تقرر من كلام الإمام الشافعي رحمه الله أن "الشاذ ما خالف فيه راويه الثقات ، وأن ما انفرد به الثقة ، فهذا ليس بشاذ" ، وهو ما ينطبق على زيادة الدراوردي في هذا الموضع و الله أعلم .
الثامن :
ما رواه ابو داود من حديث ابن عمر ان رسول الله نهى ان يعتمد الرجل على يديه في الصلاة وفي لفظ نهى ان يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة
قال :ولا ريب انه إذا وضع يديه قبل ركبتيه اعتمد عليهما فيكون قد اوقع جزءا من الصلاة معتمدا على يديه بالارض وايضا فهذا الاعتماد بالسجود نظير الاعتماد في الرفع منه سواء فإذا نهى عن ذلك كان نظيره كذلك
قال مقيده – عفا الله عنه - :
حديث ابن عمر هذا أخرجه أبو داود (1/235) فقال :حدثنا أحمد بن حنبل وأحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا ثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال أحمد بن حنبل: (أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) .
وقال ابن شبويه: (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة)
وقال ابن رافع:(نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده)
وقال ابن عبد الملك : (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) .
قال العظيم آبادي في عون المعبود (3/199) ناقلا عن عبد الله الأمير :
(حديث بن عمر رضي الله عنهما في النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة رواه أبو داود عن أربعة من شيوخه : الإمام أحمد بن حنبل ، وأحمد بن محمد بن شبويه ، ومحمد بن رافع ،ومحمد بن عبد الملك .
ولفظ أحمد بن حنبل : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) قال بن رسلان الرواية الصحيحة يديه .
ولفظ بن رافع (نهي أن يعتمد الرجل على يديه في الصلاة) وقال أبو داود وذكروه في باب الرفع من السجدة . قال بن رسلان يعني بل يضعها على ركبتيه انتهى .
فعرف من هذا أن رواية بن شبويه وابن رافع مطلقة ، ورواية أحمد بن حنبل مقيدة بحال الجلوس ، ورواية بن عبد الملك مقيدة بحال النهوض . فقد تعارض القيدان والحديث واحد وراوية الإمام أحمد أرجح لأنه إمام ثقة مشهور العدالة .
ومحمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي قال فيه في التقريب : (صدوق) وهو ممن يصحح حديثه أو يحسن بالمتابعة والشواهد .
ويرجح رواية الإمام أحمد بن حنبل أيضا ما في البخاري من حديث مالك بن الحويرث بلفظ : (واعتمد على الأرض )وعند الشافعي (واعتمد بيديه على الأرض ) والله سبحانه أعلم).اهـ.
قال مقيده : وقد وهم – رحمه الله – في محمد بن عبد الملك ، إذ ظنه ابن مروان ، والصواب أنه ابن زنجويه الغزال ، وثقه النسائي ، وقال أبو حاتم صدوق.
وعلى كل فرواية ابن عبد الملك شاذة لأنه خالف من هو أرجح منه و هو الإمام أحمد
و رواية ابن رافع (نهي أن يعتمد الرجل على يديه في الصلاة) متعلقة بالرفع من السجدة ، فلا يعتمد المصلي علي يديه في الرفع من السجدة ، بل يضعهما على ركبتيه كما تقدم بيانه .فلا ينبغي إذن التعويل على هاتين الروايتين كما صنع ابن القيم – رحمه الله- .
قال علي القاري بعد أن ذكر معاني الاعتماد المنهي عليه:
(والأول - أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده - أقرب إلى اللفظ يعني والأخير- أن يضع يديه على الأرض عند القيام - في غاية من البعد في اللفظ والمعنى إذ معناه لا يلائم النهي عن الجلوس ، وأيضا لو حمل على المعنى الأخير لتناقضت الروايتان عن راو واحد). نقله في عون المعبود (3/199).
وأما قوله – أعني الإمام ابن القيم- : (إن المصلي في انحطاطه ينحط منه إلى الأرض الأقرب إليها أولا ثم الذي من فوقه ثم الذي من فوقه حتى ينتهي إلى أعلى ما فيه وهو وجهه فإذا رفع رأسه من السجود ارتفع أعلى ما فيه أولا ثم الذي دونه حتى يكون آخر ما يرتفع منه ركبتاه والله أعلم ). فاجتهاد في مقابلة نص صحيح صريح – وهو حديث أبي هريرة ، وفيه : ( وليضع يديه قبل ركبتيه) ، ولا اجتهاد في مقابلة نص .
وبهذا ينتهي ما أردت تعليقه ، فما كان فيه من الصواب فبفضل الله ، وما كان فيه من الزلل فمن نفسي ، و أسأله جل و علا أن يعلمنا ما ينفعنا و ينفعنا بما علمنا ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . إنه جواد كريم.
[1] - وقد تابعه عبد الله بن نافع فرواه عن محمد بن عبد الله بن الحسن بنحوه ، مختصرا. أخرجه أبو داود (1/283) و النسائي (2/207) وإسناده صحيح
[2] - ملاحظة : استفدت هذا من كتاب : (نقد مجازفات المليباري) للشيخ أحمد الزهراني. وقد نقلته بالمعنى.