بسم الله الرحمن الرحيم
[الموعودي] من أصحاب أحمد ومن تلامذته الذين نقلوا عنه مسائل كثيرة.
قال للإمام أحمد رحمه الله ورحمهم أجمعين قال للإمام أحمد: يا أبا عبد الله ما أكثر الداعي لك -يعني الذين يدعون لك- فالتفت إليه فقال: أخاف أن يكون استدراجا.
يقول له تلميذه وهو صادق فيما قال: يا أبا عبد الله! ما أكثر الداعي لك! قال: أخاف أن يكون استدراجا.
هذه الكلمة لا تكون إلا من قلب خاف الله جل وعلا وخشي لقاه، وعلم أن القلب يتقلب، وعلم أيضا أن الدنيا ليست بشيء، وأن الآخرة هي [الباقية] أكثرنا بل كلنا إلا من شاء الله إذا ذكر له ثناء الناس عليه أو دعاء الناس له فرح واستبشر وربما أعجبته نفسه.
والإمام أحمد مع معالجته لنفسه قال: أخاف أن يكون استدراجا.
وكلمة أخاف هذه لأجل أن قلبه جمع بين الرجاء والخوف، فهو يرجو ولكنه يخاف، وإذا سمع بشيء مما فيه ثواب للعمل قال: أخشى أن يكون استدراجا؛ يعني أن الله جل وعلا يستدرجني بذلك ليرى هل أعجب بنفسي أم لا؟ يستدرجني الله جل وعلا كما وصف ربنا جل وعلا نفسه بأنه استدرج أقواما {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ - وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} فخسروا.
فإذن هذا الذي يجب أن يكون عليه قلب الموحد، قلب المؤمن، أن يكون دائما خائفا.
واليوم الكلام في فتح باب الرجاء طيِّب؛ ولكن الناس عاشوا في الرجاء، ودخلوا في الرجاء حتى قلّ أو ندر الخوف فيما بينهم كل يرجو، يرجو ثواب الحسنات وثواب الطاعات وهذا يعمل وهذا يعتمر وهذا يصلي وهذا يفعل ولها في أبواب الرجاء؛ لكن أين الخوف؟ أين الخوف من الكريم جل جلاله وتقدست أسماؤه؟!!
والله سبحانه وصف ملائكته لم يدخلوا تحت التكليف، الذين هم عباد نَفَسهم تسبيح وعملهم طاعة كما قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «قد أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد»، وصف الله الملائكة بقوله {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل:50].
فإذن ليفتش كل منا نفسه مع قول الإمام أحمد هذا، أين الخوف من قلوبنا؟
فرطنا في الواجبات وكل حسيب نفسه، فأين الخوف؟ عملنا ذنوبا والله جل وعلا هو المطِّلع عليها فأين الخوف؟ فرطنا في حقوق الخلق فأين الخوف؟ فرطنا في حقوق إخواننا المؤمنين بالغيبة والنميمة والحقد والحسد والضغينة فأين الخوف من الله جل وعلا؟ يحرك كل أحد منا نفسه في عمله بالخوف؛ لأن الخوف يجلب على العبد الخشوع والخضوع والرغبة في الاستعجال للقاء الله جل جلاله.
هذه كلمة عظيمة ما أكثر الداعي لك قال أخاف أن يكون استدراجا رحمه الله ما أعظم بصيرته وما أعظم شأنه!
محاضرة: مِـن مَّعِين الإمَــام أحـمد بن حنبل رحمه الله تعالى للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.