تفاصيل الاعتصام بالله وبحبله
إن الاعتصام بدين الله يتحقق في المسلم بأمور عظيمة جليلة نذكر منها ما يأتي:
1- الاهتمام بتعلم العلم الشرعيالأمة الإسلامية أمة رسالة ربانية وشريعة إلهية خلق الله البشر من أجل تعلمها وتعليمها قال
تعالى: {الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل
شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}
الطلاق، ولا قدرة للأمة على العمل بشيء من هذه الرسالة إلا بعد التعلم ولهذا قال تعالى:
{فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}.
قال البخاري رحمه الله في (كتاب العلم) (1/210) : (باب : العلم قبل العمل). واستدل بهذه
الآية فيجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ما أوجب الله عليهم أن يعملوا به وإلا كان عملهم مشتملا
على مالم يشرعه الله فما أشد الحاجة إلى العلم النافع قال الإمام أحمد: " الناس يحتاجون إلى
العلم مثل الخبز والماء ، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة ، والخبز والماء في كل يوم "
وإذا أردت أن تزداد معرفة بعظمة تعلم الكتاب والسنة وخطر الجهل فدونك كلام الإمام ابن القيم
في مفتاح دار السعادة (1/381-382) قال: (إن كل صفة مدح الله بها العبد في القرآن فهي
ثمرة العلم ونتيجته وكل ذم ذمه فهو ثمرة الجهل ونتيجته فمدحه بالإيمان وهو رأس العلم ولبه
ومدحه بالعمل الصالح الذي هو ثمرة العلم النافع ومدحه بالشكر والصبر والمسارعة في الخيرات
والحب له والخوف منه والرجاء والإنابة والحلم والوقار واللب والعقل والعفة والكرم والإيثار
على النفس والنصيحة لعباده والرحمة بهم والرأفة وخفض الجناح والعفو عن مسيئهم والصفح عن
جانيهم وبذل الإحسان لكافتهم ودفع السيئة بالحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر
في مواطن الصبر والرضا واللين للأولياء والشدة على الأعدا ، والصدق في الوعد بالقضاء
والوفاء بالعهد والإعراض عن الجاهلين والقبول من الناصحين واليقين والتوكل والطمأنينة
والسكينة والتواصل والتعاطف والعدل في الأقوال والأفعال والأخلاق والقوة في أمره والبصيرة
في دينه والقيام بأداء حقه واستخراجه من المانعين له والدعوة إليه وإلى مرضاته وجنته والتحذير
عن سبل أهل الضلال وتبيين طرق الغي وحال سالكيها والتواصي بالحق والتواصي بالصبر
والحض على طعام المسكين وبر الوالدين وصلة الأرحام وبذل السلام لكافة المؤمنين... إلى
سائر الأخلاق المحمودة والأفعال المرضية... فهذه الأخلاق ونحوها ثمرة شجرة العلم)ا.هـ
والعلم الشرعي الذي ندعو إليه على قسمين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما العلم فيراد به في
الأصل نوعان:
أحدهما: العلم به نفسه وبما هو متصف به من نعوت الجلال والإكرام وما دلت عليه أسماؤه
الحسنى، وهذا العلم إذا رسخ في القلب أوجب خشية الله لا محالة... والنوع الثاني يراد بالعلم
بالله العلم بالأحكام الشرعية... لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما بال أقوام يتنـزهون عن
أشياء أترخص فيها والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له)) فجعل العلم به هو العلم بحدوده). اهـ .
2- تلقي العلم الشرعي على أيدي علماء الإسلام والرجوع إليهملقد جعل الله سبحانه وظيفة رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تعليم ما أنزل الله عليه
من الوحي قال تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة} (الجمعة)، وعلماء السنة هم خلفاؤه وورثة علمه فلهم النصيب الأكبر من وظيفة
رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن
اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف) وقال الله مبينا حفظ العلماء لكلامه {بل هو
آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت) فهذا من وظيفتهم، ومن وظيفتهم: الفهم
السديد للوحي الإلهي قال تعالى: {وما يعقلها إلى العاملون}وقال: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي
أنزل إليك من ربك هو الحق} (سبأ). ومن وضيفتهم تبيين الحق للناس قال تعالى: {وإذ أخذ
الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} (آل عمران) ومن وظيفتهم الدعوة إلى
الإسلام كله قال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر} (آل عمران) فقوله تعالى {يدعون إلى الخير} يشمل عموم الخير وقد جعل الله مفزع
الناس إلى العلماء قال تعالى {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل) فكل من على وجه
البسيطة مفتقر إلى علم علماء أهل السنة وكل الناس معرَّضون لأن يكونوا أتباع شياطين الجن
والإنس إلا من رجع إلى علماء الإسلام قال تعالى {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا
به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله
عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء) فالرجوع إلى علماء الملة المحمدية خصوصا
عند الفتن منّة من الله وفضل ، وحاجة الناس للعلماء كحاجتهم للإسلام ولله در الإمام ابن القيم
حيث قال: (وأما العلماء بالله وأمره فهم حياة الوجود وروحه ولا نستغني عنهم طرفة عين فحاجة
القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهوى بل أعظم ...)
وقال أيضا في كتابه الصواعق 3/ 828 وهو يتحدث عن دخول العلماء في هذه الآية : (وقد
وكلهم بذلك فقال تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} (الأنعام)، فيا
لها من وكالة أو جبت طاعتهم والانتهاء إلى أمرهم وكون الناس تبعا لهم).
قلت: والآية هذه وردت في معرض ذكر الأنبياء ومدحهم فيدخل فيها خلفاؤهم وأتباعهم الذين هم
في الرتبة الثانية وهي الصديقية وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: (وتأمل سرا عظيما في أن
ترقي الأمة أو انحطاطها وانضباطها أو فشلها يؤول إلى ركن ركين وأصل أصيل قوة أو ضعفا
اجتماعا أو تفرقا إلى رابطة العلماء... واجعل نظرك إلى مدى قيام رابطة العلماء مقياسا تقيس به
الدول وتزن به الأمم في من غبر وحضر، والعالم العدل هو المحتسب الذي لا يحترف بالإسلام
ولا تثنيه الأطماع)
والعالم الذي ندعو إلى تلقي العلم على يديه هو من اجتمعت فيه ثلاثة أمور: صحة المعتقد، سلامة
المنهج، حسن المقصد، وما سوى ذلك فلا حاجة لك فيه.
3- العمل بالعلم الشرعي:لقد خلقنا الله للعمل بشرعه قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس الإ ليعبدون( والعلم الشرعي
داع إلى كل عمل صالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما العمل فإن العمل بموجب العلم يثبته ويقرره ومخالفته تضعفه
بل قد تذهبه... قال تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا)ا.هـ
وقال الإمام ابن القيم إن العلم إمام العمل وقائد له والعمل تابع له ومؤتم به فكل عمل لا يكون
خلف العلم مقتديا به فهو غير نافع لصاحبه بل مضرة عليه 000)
ولا كمال للعبد إلا بإصلاحه القوة العلمية والعملية قال العلامة ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"
1/238: (... المراتب أربع وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله.أحدهما: معرفة الحق.
الثانية: عمل به. الثالثة: تعليمه من لا
يحسنه. الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه) واستدل بسورة العصر.
4- كثرة التضرع إلى الله:لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء والإلحاح على الله بقوله: ((يا مقلب القلوب ثبت
قلبي على دينك))
وفي البخاري 11/637 رقم (6628) عن ابن عمر بلفظ: (كانت يمين النبي صلى الله عليه
وسلم (لا ومقلب القلوب)، وفي صحيح مسلم 6/50 رقم (770) من حديث عائشة أنه كان
يفتتح صلاة الليل بهذا الدعاء: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض
عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق
إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) وقد صح عن أبي الدر داء أنه قال: (فوالله إن الرجل
ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد يشكل الشيء ويشتبه أمره في الابتداء فإذا حصل الاستعانة بالله
واستهدائه ودعائه والافتقار إليه أوسلوك الطريق الذي أمر بسلوكها هدى الله الذين آمنوا لما
اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي إلى صراط مستقيم)
وقال أيضا: (وحقيقة الأمر أن العبد مفتقر إلى ما يسأله من العلم والهدى... فبذكر الله والافتقار
إليه يهديه الله ويدله كما قال: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ...))
وقال الحافظ الذهبي: (فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية وليدمن الاستغاثة بالله وليبتهل إلى
مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة وسادة التابعين).
5- أخذ الإسلام من جميع جوانبه:ومن الاعتصام بحبل الله أخذ الإسلام من جميع جوانبه , عقيدة وعبادة وسياسة واقتصادا ومعاملة
في السراء والضراء في السفر والحضر في الفقر والغنى في القوة والضعف:
قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو
مبين} (البقرة).
قال المفسر السعدي: (هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا في السلم كافة أي في جميع
شرائع الدين ولا يتركوا منها شيئا وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه إن وافق الأمر المشروع
هواه فعله وإن خالفه تركه بل الواجب أن يكون الهوى تبعا للدين وأن يفعل كل ما يقدر عليه من
أفعال الخير وما يعجز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته)
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون
وجاهدوا في الله حق جهاده} (الحج).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (أمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته
وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر فحق جهاده أن يجاهد
العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه ويجاهد شيطانه
بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه... وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه
ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا)
وقال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل
فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا
ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون
الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون للحدود الله وبشر المؤمنين}
(النور)، وقال تعالى: {قل إن صلا تي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.
والالتزام بهذا الأصل العظيم وهو أخذ الإسلام كله هو أعظم ما تميز به أهل السنة والجماعة
على غيرهم من الفرق والأحزاب الضالة وهو أيضا من أعظم أسباب اجتماع كلمتهم لأن أعظم
داع إلى الفرقة ترك بعض الحق كما سيأتي ولقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج
السالكين (3/174-176) علامات أهل العبودية فقال: (وأما العبودية المطلقة فلا يعرف
صاحبها باسم معين من معاني أسمائها فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها فله مع كل أهل
عبودية نصيب يضرب معهم بسهم فلا يتقيد برسم ولا إشارة ولا اسم ولا بزي ولا طريق وضعي
اصطلاحي بل إن سئل عن شيخه قال الرسول وعن طريقه قال الاتباع وعن خرقته قال لباس
التقوى وعن مذهبه قال تحكيم السنة وعن مقصوده ومطلبه قال يريدون وجهه وعن رباطه وعن
خانكاه قال : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه...
وعن نسبه قال: أبي الإسلام لا أبا لي سواه... ولا متميزين برسم دون الناس ولا منتسبين إلى
اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة وهؤلاء أبعد الخلق عن
الآفات فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها ولزوم الطرق الاصطلاحية والأوضاع المتداولة
الحادثة هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله وهم لا يشعرون)
......