بسم الله الرحمن الرحيم
هذا نقل للجزء الثاني من مقال ( ياطالبي الالفة والوفاق لاتتركوا سنة الالصاق)
وقد نبه الإمام الألباني على هذه السنة؛ حيث قال كما في سلسلته الصحيحة: (1/70) تحت عنوان:.................................. سنة متروكة يجب إحياؤها:........................................................................................................... استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها؛ بحيث يندر أن تخفى على أحد من طلاب العلم فضلاً عن شيوخه، ولكن ربما يخفى على الكثيرين منهم أن من إقامة الصف تسويته بالأقـدام، وليس فقط بالمناكب، بل لقد سمعنا مراراً من بعض أئمة المساجد -حين يأمرون بالتسوية- التنبيه على أن السنة فيها إنما هي بالمناكب فقط دون الأقدام!...
ولما كان ذلك خلاف الثابت في السنة الصحيحة؛ رأيت أنه لابد من ذكر ما ورد فيه من الحديث؛ تذكيراً لمن أراد أن يعمل بما صح من السنة؛ غير مغتر بالعادات والتقاليد الفاشية في الأمة.
فأقول: لقد صح في ذلك حديثان:
الأول: من حديث أنس.
والآخر : من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
أما حديث أنس فهو: ................................................................................................................ -31{أقيموا صفوفكم وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري}. رواه البخاري (2/176- طبعة بولاق) وأحمد (3/182و263) والمخلِّص في "الفوائد" (1/10/2) من طرق عن حميد الطويل: ثنا أنس بن مالك قال:" أقيمت الصلاة؛ فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه؛ فقال: (فذكره)" ...................................................................................................................... زاد البخاري في رواية: " قبل أن يكبر".
وزاد أيضاً في آخره:" وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه".
وهي عند المخلِّص، وكذا ابن أبي شيبة (1/351) بلفظ:................................................................................. " قال أنس: فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه؛ فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدكم كأنه بغل شموس" وسنده صحيح أيضاً على شرط الشيخين. وعزاه الحافظ لسعيد بن منصور والإسماعيلي.
وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله:" باب : إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف".
وأما حديث النعمان فهو:.............................................................................................................. 32-{أقيموا صفوفكم-ثلاثاً- والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم}.أخرجه أبو داود (رقم:662) وابن حبان (396) وأحمد(4/276) والدولابي في "الكنى" (2/86) عن أبي القاسم الجدلي حسين بن الحارث قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: "أقبل رسول صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: (فذكره)"........................................................................................ قال:" فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكبه صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه".
قلت: وسنده صحيح، وعلقه البخاري مجزوماً به، ووصله ابن خزيمة أيضاً في "صحيحه" (1/82-83) وأقره المنذري في "الترغيب" (1/176) والحافظ في "الفتح" (2/176) ومن طريق ابن خزيمة أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (114/396- موارد).
... وفي هذين الحديثين فوائد هامة:
الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها؛ للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب؛ إلا لقرينة؛ كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:{أو ليخالفن الله بين قلوبكم} فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب كما لا يخفى.
الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب، وحافة القدم بالقدم؛ لأن هذا هو الذي فعله الصحابة-رضي الله عنهم- حين أُمِروا بإقامة الصفوف والتراص فيها، ولهذا قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس:
"وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته".
ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها، إلا القليل منهم؛ فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث! فإني رأيتهم في مكة سنة: (1368هـ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة -لا أستثني منهم حتى الحنابلة- فقد صارت هذه السنة عندهم نسياً منسياً، بل إنهم تتابعوا على هجرها والإعراض عنها.
.... وخلاصة القول: إنني أهيب بالمسلمين- وبخاصة أئمة المساجد- الحريصين على إتباعه صلى الله عليه وسلم واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بهذه السنة ويحرصوا عليها ويدعوا الناس إليها حتى يجتمعوا عليها جميعاً؛ وبذلك ينجون من تهديد:{أو ليخالفن الله بين قلوبكم}.
وقد أكد الإمام الألباني في كتابه: (صحيح الترغيب والترهيب) - الجزء الأول- على أن السنة في الصلاة تسوية الصفوف، وهذه التسوية تكون كما فهمها الصحابة -رضي الله عنهم- تكون بإلصاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم والكعب بالكعب.......................... فقال بعد أن ساق الأحاديث التي ذكرها المصنف:
[قال المنذري] باب: (ما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها)
494-(7) وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحيح.ـــــــــــــــــــــــ {سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة} رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم. ـــــــــــــــــ وفي رواية البخاري:{فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة} ورواه أبو داود، ولفظه: صحيح..ــــــــــــــ. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خَلَل الصف كأنها الحَذَف}. رواه النسائي، وابن ماجه وابن حبان في"صحيحيهما" نحو رواية أبي داود...ــــــــــــــــ (الخلل): بفتح الخاء المعجمة واللام أيضاً: هو ما يكون بين الاثنين من اتساعٍ عند عدم التـراص.
قال الإمام الألباني:[{رصوا}] من (الرص): يقال: رصَّ البناء، يرصه رصاً: إذا ألصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى:{كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوص} ومعناه: تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم ولا ينقطع. ..ــــــــــــــــــــــــــــــــــ. قلت: وذلك بأن يلصق الرجل منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه؛ كما ثبت ذلك عن الصحابة ورآء النبي صلى الله عليه وسلم، فراجع له:" سلسلة الأحاديث الصحيحة (32) وحديث أنس بن مالك، ومثله حديث النعمان بن بشير (31- باب/5).
وفي السلسلة الصحيحة (6/76) أورد الإمام الألباني حديث ابن عمر عند أبي داود (666) مرفوعاً:{أقيموا الصفوف، وحاذوا بالمناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله} وإسناده صحيح كما قال النووي؛ فإنه يوضح أن الأمر باللين إنما هو لسد الفرج، ووصل الصفوف، ولذلك قال أبو داود عقبه: لاااااا "ومعنى {لينوا بأيدي إخوانكم}: إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في الصف". ولذلك استدل به النووي في "المجموع"(4/301) على أنه "يستحب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف....".............................. وليس يخفى على كل محب للسنة عارف بها أن قول الخطابي:" ولا يحاك منكبه بمنكب صاحبه!" مخالف لما كان يفعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين يصلون خلفه، وذلك تنفيذاً منهم لقوله صلى الله عليه وسلم:{أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من ورائي} رواه البخاري (725) عن أنس، قال أنس: " وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه". وله شاهد من حديث النعمان بن بشير، وهما مخرجان في "صحيح أبي داود" (668). ااااااااااااااااااااااااااااا ..................................................................................................... وقد أنكر بعض الكاتبين في العصر الحاضر هذا الإلزاق، وزعم أنه هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة!!! وزعم أن المراد بالإلزاق الحث على سد الخلل لا حقيقة الإلزاق، وهذا تعطيل للأحكام العملية، يشبه تماماً تعطيل الصفات الإلهية، بل هذا أسوأ منه لأن الراوي يتحدث عن أمر مشهود رآه بعينه وهو الإلزاق، ومع ذلك قال: ليس المراد حقيقة الإلزاق! فالله المستعان............................................. وأسوأ منه ما صنع مضعف مئات الأحاديث الصحيحة المدعو: (حسان عبد المنان) فإنه تعمد إسقاط رواية البخاري المذكورة عن أنس.. من طبعته لـ"رياض الصالحين" (ص 306/836) وليس هذا فقط، بل دلس على القراء، فأحال ما أُبقي من حديث البخاري المرفوع إلى البخاري برقم (723) حتى إذا رجع القراء إليه لم يجدوا قول أنس المذكور، والرقم الصحيح هو المتقدم مني (725) وله من مثل هذا الكتم للعلم ما لا يعد ولا يحصى، وقد نبهت على شيء من ذلك في غير ما مناسبة، فانظر على سبيل المثال الاستدراك رقم (13) من المجلد الأول من هذه السلسلة، الطبعة الجديدة.