صــــلاة الجماعـــــة الثانيــــــــة لا تشــــــــرع نقـــــــلاً وعقــــــــلاً..الشيخ العلامة نــاصر الديـــن الألبانـــــــــي رحمـــه الله
بسم الله الرحمــــن الرحيــــــــم
السائــــــــل: مـــــــا حكـــــم اثنين أو ثلاثة رجال حضروا إلى المسجد بعد انتهاء صلاة الظهر أو العصر أو أية صلاة كانت أن يصلوا جماعة أ منفردين هؤلاء الثلاثة أو الاثنان؟
الشيخ الألباني رحمه الله: نحن نعتقد جازمين بما قال به أئمة المسلمين الأقدمين كالإمام مالك والشافعي نصاً من كتبهم وكذلك أبو حنيفة وإن كان ليس له كتب، لكن كتب أصحابه كلهم مجتمعون على أنه يكره تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب.
يفرق هؤلاء الأئمة بفقههم بين مسجد على قارعة الطريق أشبه ما يكون بالمساجد في طريق المدينة.. مساجد صغيرة، المارة يدخلون فيها فيصلون، فالجماعة هنا جائزة، أما مسجد محلة، هذا المسجد له جواره وله أهله وأصحابه والمصلون فيه.
له مؤذن يخبرهم بحضور وقت الصلاة وله إمام يؤمهم فمثل هذه المساجد اتفق هؤلاء الأئمة الذين سميتهم لك آنفاً بعدم شرعية الصلاة جماعة ثانية أو ثالثة وما بعدها.
ونص على ذلك الإمام مالك والإمام الشافعي كما قلت في كتبهم ، ومن أغرب ما ورد عن الإمام مالك أنه قال: لو أن إمام مسجد لم يحضر ولا حضر أحد إلا المؤذن فصلى وحده ثم حضر الجماعة ، قال: يصلون وحدهم ، مع أنه لم تقم جماعة ، لكن المؤذن قام بواجب الإخبار والإمام لعذر ما لم يحضر فصلى هذا المؤذن وحده ثم جاءت الجماعة ، قال: يصلون فرادى.
هذا كله من باب سد الذريعة.
إخواني يعرفون قصتي أنا مع الجماعة الأولى والثانية، فأنا برهة طويلة من الدهر ساعاتي أصلح ساعات. كان دكاني بجانب المسجد، فكنت أسمع الأذان بآذاني، ولكني كنت متأثراً بالفقه السائد والمشاهد في المساجد تكرار الجماعة الواحدة بعد الأخرى. فأنا جالس أشتغل بالساعة أريد أن أركّب برغى أو أركّب عقرب..أسمع الأذان..أعلل نفسي أن هذه شغلة بسيطة سرعان ما أنتهي منها وأقوم أدرك صلاة الجماعة.
فيحدث نقاش بين عقلي وبين نفسي: الآن تفوتك صلاة الجماعة، اترك الساعة الآن واذهب لتدرك الجماعة، نفسي تقول لي: اقعد وإن راحت الجماعة الأولى تدرك الجماعة الثانية، عقلي يقول: قد لا نجد إمام يصلي بنا.. أنت طالب علم نفسك ما عاجبتك..أنت تصلي بالناس إماماً.
هذا حدث معي مدة إلى أن فقهني الله عز وجل على الأقل في هذه المسألة، فاقتنعت أنه كما أنه في المجتمع العام ، لا يشرع إلا إمام واحد هو الخليفة ، كذلك في المجتمع الخاص فهو المسجد لا يشرع إلا إمام واحد.
اقتنعت في هذا..بعد هذا الاقتناع: الساعة بيدي وضعتها على الطاولة أمامي وانطلقت مسرعاً.. نادراً جداً جداً بعدما حملت في نفسي هذه العقيدة الصحيحة أن تفوتني صلاة الجماعة.
ولذلك فالقول بجواز الجماعة الثانية هي تصد عن ذكر الله مع الجماعة الأولى.
هذا أمر واقع ماله من دافع.
وأنا ربيت في دمشق ، وكنت أدخل مسجد بني أمية بعد صلاة العصر لحضور بعض الدروس هناك. كنت في بعض الأحيان أسمع أذان المغرب وجماعة صلاة العصر ما سلمت! أي من جملة الجماعات صلى الإمام الأول الحنفي.. هذا في الزمن الأول بعدين صار الإمام الأمل هو الشافعي ، لأنه كان الشيخ تاج الدين هذا رئيس جمهورية سوريا ، كان مذهبه شافعي ، فهو ورث المساجد يصلي الإمام الحنفي تبعاً للتقاليد التركية العثمانية القديمة
وهو عندما كان رئيس جمهورية ورأى المذهب قدم المذهب الشافعي على المذهب الحنفي.
فالمهم: صلى الإمام الأول في محرابه ، والإمام الثاني في محرابه ، والثالث... والرابع. أربعة محاريب.. أربعة أئمة يصلون بصورة رسمية ونظامية في المسجد الأموي الكبير مع ذلك تستمر جماعات حتى ندرك جماعة تصلي العصر وأذان المغرب يؤذن.
فالقائل بجواز الجماعة الثانية وإدخالها تحت قوله عليه السلام: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة)) هذا فيه تعطيل الجماعة الأولى.
ولذلك نجد الفرق بيم صلاة الجمعة وصلاة الجماعة ، صلاة الجمعة لأن الناس يعلمون أنها لا تكرر فيغض المسجد بالمصلين.
صلاة الظهر يعرفون أنها تكرر فيكملون صفا أو فين فقط. هذه الآثار كافية لتنبيه المسلم بصحة هذا القول الذي نقلته لكم آنفاً أنه لا جماعة ثانية في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب.
وهذا القول مدعم بالسنة العملية.
أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في مسجده إلا جماعة واحدة ، وهذا يستنبط باستنباطات دقيقة جداً منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((لقد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم آمر رجالا فيحطبوا حطباً ثم أخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفس محمد بيده لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها)). أي صلاة العشاء. وجه الاستنباط من الحديث: قال الرسول عليه السلام أنه هم أن يوكل واحداً يصلي نيابة عنه ويذهب هو يغافل المتخلفين عن صلاة الجماعة ويحرق البيوت عليهم. لماذا؟ لأنهم تركوا فريضة الجماعة.
وهذا معناه أنه لا جماعة ثانية ، لأنه لو قال الرسول: ماذا تفعلون هنا؟ لماذا لا تحضرون صلاة الجماعة كانوا يقولون له يا رسول الله هناك جماعة ثانية.. هناك جماعة ثالثة..لكن. لا. سدوا عليهم طريق الاحتجاج على الرسول وحجة الرسول قائمة لأنه نبأهم أنه لا جماعة إلا الجماعة الأولى.
ولذلك جاز له عليه الصلاة والسلام أن يخالف إلى أولئك الأقوام ويحرق عليهم بيوتهم ، لكنه لم يفعل لسبب معروف عند العلماء وهو أن في البيوت من لا تجب عليهم صلاة الجماعة من النساء والأطفال..الخ.
وهذا أسلوب رائع جداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترهيب من مخالفة الشرع ، وهو تحريقهم بالنار ، لماذا لم يفعل؟ لأنه قام المانع.
وجد المقتضى للتحريق فهددهم بذلك لكن قام المانع فلم ينفذ.
هذا أسولب رائع جداً.
فإذاً لهذا الحديث ولغيره لم يكن السلف الصالح يعرفون جماعتين في مسجد واحد.
ولذلك صح عن عبد الله بن مسعود أنه كان عنده رجلان من أصحابه التابعين الذين نقلوا العلم عنه فانطلقوا إلى المسجد وإذا الناس خارجون.. انتهت الصلاة ، فعاد بهما إلى بيته وصلى بهما جماعة ، وهو يعلم قوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )).
فلماذا لم يدخل المسجد ويصلي الفريضة؟
لأن الرسول يعني أفضل الصلاة جماعة.
لكن عندما لم يكن جماعة ثانية فرجع بهم وجمع بهم في بيته.
ومن هذه النقول وهي كثيرة جداً..لذلك فالجماعة الثانية لا تشرع نقلاً وعقلاً ، لأنها تفرق جماعات المسلمين وتتخذ وسيلة للتباغض ، والتنافر والتشاحن.
والآن حسبك هذا المقدار إن شاء الله ، وننهي جلستنا هذه بكفارة المجلس:
سبحـــان الله وبحمـــدك أشهـــد أن لا إلـــه إلا أنــــت أستغفـــرك وأتـــوب إليـــــــك.
رحم الله الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألبــــاني رحمة واسعة.