قال –رحمه الله تعالى- : " بسم الله الرحمان الرحيم ؛ الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد ,
خاتم النبيين , و إمام المتقين ؛ و على آله و أصحابه , و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه يَسُرُّ أخاكم و مخاطبكم - محمد بن صالح العثيمين , من عنيزة القصيم , بالمملكة العربية السعودية – أن يتحدث
إلى إخوانه – بل إلى طائفة من إخوانه – من الجزائر ؛ في هذا اليوم
إخوتنا في الجزائر ؛ تعلمون ما حلّ في الجزائر منذ سنوات عديدة , من الفتن العظيمة التي ذهب فيها الكثير من
الأنفس و الأموال و الزروع و الديار ؛ من أجل تحكيم الكتاب و السنة ؛ و لا شك أن هذا هدف نبيل , و أنه يجب على
كل مسلم أن يحقق تحكيم الكتاب و السنة ؛ لأن الله – عز و جل – يقول : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و
الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا )) – النساء: 59 - .
و لكن , هذا الغرض النبيل لا يبرر ما حصل من العدوان و الآثام , بقتل الأنفس البريئة من الشيوخ و العجائز و
الفتيان و الفتيات ؛ و لكنا نقول : (( و لو شاء الله ما اقتتلوا و لكن الله يفعل ما يشاء )) _ البقرة : 253- .
إن على إخواننا في الجزائر أن يضعوا السلاح ؛ و أن ينزلوا إلى ديارهم و أهليهم ؛ و أن يناصحوا الحكومة بقدر ما
يستطيعون , دون أن يكون هناك حمل سلاح أو قتل ؛ فالطريق التي سلكها هؤلاء طريقة غير شرعية , لم يأمر بها الله
و لا رسوله ؛ و إنما تدفع السيئات للأكثر فالأكثر.
أيها الإخوة في الجزائر ؛ إن على صالحيكم أن يقيموا ما استطاعوا من هذه الأمر , الذي حصل بقول مَنْ لا نتهمه في
قصده و لا عقيدته ؛ و لكننا نخطئهم في سلوكهم.
يلزمكم – أيها الإخوة الدعاة – أن تدعوا إلى الله – عز و جل– بالتي هي أحسن , كما قال – تعالى- موصيا نبيه
محمدا – صلى الله عليه و سلم - , حيث قال : ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي
حسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين )) – النحل: 135 - ؛ و قال الله – عز و جل –
لنبيه – صلى الله عليه و سلم - : (( فذكّر إنما أنت مذكّر (21) لست عليهم بمسيطر(22) )) – الغاشية - ؛ و
قال – عز و جل - : (( فإنما عليك البلاغ و الله بصير بالعباد )) – آل عمران:20 - .
أيها الإخوة الدعاة ؛ عليكم بالرفق في الدعوة إلى الله – عز و جل - ؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه , و لا نزع
من شيء إلا شانه ؛ و لقد قال النبي – صلى الله عليه و سلم - : (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ؛ و إنه
ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف )) ؛ و هذا شيء يصدقه الواقع ؛ فإن الرجل إذا كان لينا في دعوته إلى الله
, استجاب الناس له ؛ و إذا كان فظا غليظا , تركوه و دعوته ؛ و لقد زكى الله – عز و جل– نبيه – صلى الله عليه و
سلم – بهذه , فقال : (( فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) – آل عمران :
159 - , و لقد صدق الله ؛ فقد سمعنا عن قضايا كثيرة في عصرنا الحاضر - و فيما سبق من العصور- ما يحصل
من الاستجابة لمن دعا إلى الله – عز و جل – بالرفق و اللين و تيسير الأمور ؛ و كان النبي – صلى الله عليه و سلم
– يوصي من يبعثهم- إلى الدعوة إلى الإسلام – يوصيهم بالتيسير و التبشير , و يقول – عليه الصلاة و السلام - :
( يسروا و لا تعسروا , و بشروا و لا تنفّروا ؛ فإنما بعثتم ميسرين , و لم تبعثوا معسرين ) .
أيها الإخوة الدعاة ؛ لا تجادلوا أهل الباطل في الحملة على باطلهم ؛ فإن ذلك لا يزيدهم إلا نفورا ؛ لأن كثيرا من أهل
الباطل لا يريد الحق و إنما يريد أن ينشر قوله بأي ثمن ؛ لذلك أرى أن أهل الدعوة إلى الحق أن يبرزوا الحق ناصعا
كما هو على عهد النبي – صلى الله عليه و سلم - , و حينئذ سيكون مقبولا ؛ لأن دين الإسلام- بشعائره و شرائعه-
دين الفطرة السليمة ؛ كل فطرة سليمة فإنها تقبله ؛ و الإنسان مولود على الفطرة – كما قال النبي –صلى الله عليه و
سلم – لكن, أبواه يهودانه – إن كانا يهوديين- , أو ينصرانه – إن كان نصرانيين-, أو يمجسانه – إن كان
مجوسيين - .
أيها الإخوة الدعاة , حاضروا الناس - أولا - بما تدركه و ما تألفه نفوسهم , و ما تطمئن إليه قلوبهم ؛ حتى إذا قبلوا
ما تقولون , و أحبوكم , و ألفوكم , و عرفوا ما عندكم من علم -المبني على كتاب الله و سنة رسوله - صلى الله عليه
و سلم- أظهروا منكم ما تكنون . أما أن تهاجموا -أولا- ما هم عليه من الباطل من أجل أن تدعوهم إلى الحق , هذا قد
يكون طريقا خاطئا ؛ قال الله - عز و جل - لنبيه - صلى الله عليه و سلم - بل لكل المؤمنين : (( و لا تسبوا الذين
يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زيّنّا لكلّ أمّة عملهم ))-الأنعام :108-.
أيها الإخوة الدعاة , إذا كنتم تدعون إلى الله - عز و جل - على بصيرة لتقيموا دين الله في عباد الله , فلا تجزعوا لما
يصيبكم من الأذى القولي و الفعلي ؛ فإن ذلك لابد أن يكون ؛ و قد أوذي الرسل - عليهم الصلاة و السلام - فكُذِّبوا و
سُخِر منهم , و لكنهم صبروا ؛ قال الله - تبارك و تعالى - : (( و لقد كذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا و
أوذوا في سبيلي حتى أتاهم نصرنا )) - الأنعام : 34- ؛ و قال الله لنبيه - صلى الله عليه و سلم - : (( فاصبر
كما صبر أوْلوا العزم من الرسل و لا تستعجل )) - الأحقاف : 35- ؛ و قال الله - عز و جل- : (( فاصبر لحكم
ربّك و لا تكن كصاحب الحوت إذ نادى و هو مكظوم (48) لو لا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء و هو مذموم (
49) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ))- القلم : 50,49,48 -
اصبروا على ما ينالكم من ألم في ذات الله - عز وجل- ؛ و لا تيأسوا فكم من دعوة ردّت في أول الأمر , ثم قُبلت في
آخر الأمر.
أيها الإخوة الدعاة ؛ إذا كنتم تدعون إلى الله و إلى دين الله , فليكن أول من يقوم بذلك أنتم , حتى يقبل الناس منكم و
يعرف الناس أنكم صادقون ؛ و اسمعوا قول الله - عز و جل- : (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2)
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) - الصف : 2- .
إياك أن تحذّر من الغيبة ثم تغتاب الناس ؛ إياك أن تحذر من الربا ثم ترابي ؛ إياك أن تحذر من شرب الدخان ثم تشرب
الدخان ؛ إياك أن تحذر من جلساء السوء ثم تجلس إليهم و تطمئن إليهم ؛ إياك أن تحذر من عقوق الوالدين ثم تعق
والديك ؛ و إياك أن تحذر من قطيعة الأرحام ثم تقطع رحمك ؛ و إياك أن تحذر من الكذب في البيع و الشراء ثم تكذب ؛
إياك أن تحذر من الغش و الخيانة في البيع و الشراء -و غيرهما - ثم تفعل الغش و الخيانة .
أيها الإخوة الدعاة , إياكم أن تختلفوا , إياكم أن تختلفوا ؛ إياكم أن يكون لكل واحد منكم اتجاه يخالف الآخر ؛ فإن ذلك
ضرر في دين الله موجب للفشل , كما أخبر - تبارك و تعالى - : (( و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم )) -
الأنفال : 46 - ؛ و قال - عز وجل - : (( و لا تكونوا كالذين تفرّقوا و اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات و أوْلائك
لهم عذاب عظيم )) - آل عمران : 105- ؛ و قال - جل و علا - لنبيه -صلى الله عليه و سلم - : (( إنّ الذين
فرّقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثمّ ينبّؤهم بما كانوا يفعلون ))- الأنعام : 109- .
اجتمعوا و اتفقوا و لو فيما يبدوا للناس على الأقل , لأنه إذا ظهر اختلافكم بين الناس تفرق الناس , و لم يثقوا بكم ,
و اطلعوا على عيوبكم , و لم تكن لكم جبهة مهيبة ؛ فاتقوا الله في أنفسكم و في عباد الله - عز و جل - ؛ و إياكم أن
تتحزّبوا لطائفة أو فرقة ؛ بل يجب أن يكون هدفكم و مرجعكم الأول و الآخر : كتاب الله و سنة رسوله - صلى الله
عليه و سلم - , لأن ذلك يحميكم من الاندثار و يوجب الهيبة في قلوب الناس ؛ فإن للمتمسك بشريعة الله هيبة يلقيها
الله - تعالى - في قلوب الناس , لا يصنعها جاه و لا غنى و لا كثرة علم .
نسال الله - عز و جل - أن يعينني و إياكم جميعا لما فيه صلاح ديننا و أن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب ؛ و
الحمد لله رب العالمين ؛ و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه اجمعين.