بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ أَبُو جَعْفَرٍ الْوَرَّاقُ الطَّحَاوِيُّ -بِمِصْرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ:
هَذَا ذِكْرُ بَيَانِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ الْمِلَّةِ: أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ الْكُوفِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
[الشرح]
حبه أجمعين، أما بعد
هذه المقدمة اشتملت على مسائل:
الأولى منها: أن هذه (عَقِيدَة)، والعقيدة فَعِيلَة بمعنى مفعول؛ يعني معقودا عليه، والمسائل منقسمة إلى: أخبار وأحكام، كما قال جل وعلا﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾[الأنعام:115]، تمت كلمة الله على هذين القسمين: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأوامر والنواهي. والأخبار يجب تصديقُها فما كان مرجعه إلى التصديق والإيمان به ولا دخل للعمليّات به فإنه يسمَّى عقيدة؛ لأنّ مرجعه إلى علم القلب، فسُمِّي هذا عقيدة لأنه معقودٌ عليه القلب؛ يعني كأنه دخل للقلب فعُقِد عليه فلا يخرج منه من شدة الاستمساك به ومن شدة الحرص عليه، لأنْ لا يخرج أو ينفلت.
وهذا اللفظ لفظ (العقيدة) كما ذكرتُ راجع إلى علم القلب؛ لأنه هو الذي يُعقد الشيء الذي فيه، وأما العمليات فهذه من الإيمان -كما هو معروف- لكن موردها عمل الجوارح لذلك لم تدخل في العقيدة.
وهناك ألفاظ مرادفة للعقيدة للدِّلالة على ما ذكرنا وهي: التوحيد، السنة، الشريعة، وأشباه ذلك. فمنها ما يكون مختصًّا بالعقيدة كالتوحيد، ومنها ما يكون لها ولغيرها كالسنة والشريعة، فإن لفظ الشريعة يشمل العقيدة أيضا؛ لأن الله جل وعلا بيّن لنا أنّ الأنبياء اجتمعوا على شريعة واحدة فقال جل وعلا ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، فهذه شريعة أُجمع عليها بين المرسلين، والمقصود بها التوحيد والعقيدة الواحدة.
وتأتي الشريعة ويراد منها العمليات كما قال جل وعلا﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة:48]، وكما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال «الأنبياءُ إِخْوة لعَلاّتٍ الدين واحد والشرائع شَتّى».
نخلص من ذلك إلى أنّ التصانيف في العقيدة قد تكون باسم العقيدة أو باسم التوحيد أو باسم السنة أو باسم الشريعة كما هو موجود فعلا في تصانيف أئمة أهل السنة والجماعة.[/