بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد روى الإمام أبو نُعَيم في «حِلية الأولياء»، والخطيب البغدادي في «الفقيه والْمُتَفَقِّه»، والإمام ابنُ عساكر في «تاريخ دمشق»، وغيرهم من أهل العلم بأسانيدَ متعددة:
عن كُمَيْلِ بنِ زيادٍ النَّخَعِيِّ الكُوفِيِّ قال: «أخذ علي بن أبي طالب س بيدي، فأخرجني من ناحية الجبَّانَة، فلما أصحر جعل يتنفس، قال:
يا كُمَيْل! القلوبُ أوعية، فخيرها أوعاها للخير، احفظ عني ما أقول:
الناس ثلاثة: عالِمٌ رباني، ومُتَعَلِّم على سبيل نجاة، وهَمَجٌ رَعاع أتباعُ كلِّ ناعق، يميلون مع كل رِيح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
العلمُ خيرٌ من المال؛ العلم يحرسك، وأنت تحرس المال. العلم يزكو على الإنفاق، والمال تَنْقُصُه النَّفَقَة. العلم حاكم، والمال مَحكوم عليه. ومحبة العلم دين يُدان به. العلم يُكسِب العالم الطاعة في حياته، وجميلَ الأُحْدُوثَةِ بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزواله. مات خُزَّانُ المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.
آهٍ آهٍ إن ها هنا عِلماً -وأشار بيده إلى صدره- لو أصبتُ له حَمَلة لأصبته: لَقِنَاً غير مأمون عليه، يستعملُ آلةَ الدين للدنيا، يستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده. أو مُنقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك. أو منهوماً للذات سَلِسَ الْقِيادِ للشهوات، أو مُغرم بجمع الأموال والادِّخار، ليس من دعاة الدين. أقرب شيء شبهاً بهم الأنعام السائمة، لذلك؛ يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لن تخلوَ الأرض من قائم لله بحجته؛ لئلا تبطل حجج الله وبَيِّنَاتُه، أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قِيلاً، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى أمرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاسْتَلَانُوا ما اسْتَوْعَرَ منه الْمُترفون، وأَنِسُوا بِما اسْتَوْحَشَ مِنه الجاهلون، صَحِبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها مُعلَّقةٌ بالملأ الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، ودعاته إلى دينه. آهٍ آهٍ شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك، إذا شئت فقم».
شرح الوصية وبين معانيها وعقب عليها فضيلة الشيخ: علي بن حسن الحلبي الأثري -كان الله له-، وذلك في "مسجد القدومي" يوم الإثنين 8 صفر 1428هـ الموافق 26/2/2007م، أضع بين أيديكم تفريغ هذه المحاضرة.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم.
اضغط هنا لتحميل المادَّة (219 كيلو بايت)
http://www.daawah.net/download/tafreeat/alhalaby/4.zip