3) تفنيد أدلة الصوفية على جواز الرقص والتمايل:
1) إستدلالهم بقوله تعالى في سورة الكهف: ((إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض)).
قال الإمام القرطبي في تفسيره (10/366): قال ابن عطية تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله ((إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض)).
قلت: وهذا صحيح، هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء.
أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام وخاصة في هذه الأزمان ثم سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان هيهات بينهما والله مابين الأرض والسماء ثم هذا حرام عند جماعة العلماء على مايأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى وقد تقدم في سبحان ثم قوله ولاتمش في الأرض مرحا مافيه كفاية.
2) استدلالهم بقوله تعالى لأيوب عليه السلام: ((اركض برجلك))
وقال القرطبي (15/215):
استدل بعض جهال المتزهدة وطغام المتصوفة بقوله تعالى لأيوب ((اركض برجلك)) على جواز الرقص.
قال أبو الفرج الجوزي وهذا احتجاج بارد لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء، قال ابن عقيل أين الدلالة في مبتلى أمر ثم كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازا من الرقص؟؟
ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام جاز أن يجعل قوله سبحانه لموسى ((اضرب بعصاك الحجر)) دلالة على ضرب المحاد بالقضبان!! نعوذ بالله من التلاعب بالشرع. اهـ.
3) استدلالهم بحديث علي رضي الله عنه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر وزيد فقال لزيد ((أنت أخونا ومولانا)) فحجل وقال لجعفر ((أشبهت خلقي وخلقي)) فحجل وراء حجل زيد ثم قال لي ((أنت مني وأنا منك)) فحجلت وراء حجل جعفر (3).
قال ابن الجوزي رحمه الله: القرطبي (15/215): وقد احتج بعض قاصريهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي ((أنت مني وأنا منك)) فحجل.
وقال لجعفر أشبهت ((خلقي وخلقي)) فحجل.
وقال لزيد ((أنت أخونا ومولانا)) فحجل.
ومنهم من احتج بأن الحبشة زفنت (4) والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم والجواب:
أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرح فأين هو والرقص؟!
وكذلك زفن الحبشة نوع من المشي يفعل عند اللقاء للحرب.اهـ
قلت (أبو عبد الله غريب): هذا التعليل من ابن الجوزي رحمه الله تعالى مبني على فرض صحة هذا الحديث، والصواب أنّ الحديث بهذا التمام منكر ضعيف فلا حجّة فيه أصلا!
قال الشيخ البحاثة علي رضا حفظه الله: ومن العبث الصوفي الذي اشتهر به بعض المعظمين لابن عربي وغيره من ملاحدة الصوفية ما ذكره صاحب: (الفتاوى الحديثية) (ص298) عندما سئل عن رقص الصوفية وتواجدهم وهل له اصل؟ فأجاب بقوله: نعم له أصل! فقد روى في الحديث ((إن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه رقص بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: أشبهت خَلقي وخٌلقي)) وهذا الحديث بزيادة الرقص المزعوم فيه منكر لا يصح فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/226) وفي الآداب له أيضا (921) وأحمد في المسند 1/108 والبزار في المسند 3/220 رقم 2609_ زوائده _ ولفظ البيهقي: ((أتينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا- المتكلم علي رضي الله عنه وهو راوي الحديث- وجعفر وزيد, فقال لزيد: أنت أخونا ومولانا , فحجل. وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخٌلقي , فحجل وراء حجل زيد, وقال لي: أنت مني وأنا منك فحجلت وراء حجل جعفر))
وقال البيهقي - شارحاً الحديث-: ((والحجل: أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح, فإذا فعله الإنسان فرحا بما آتاه الله تعالى من معرفته أو سائر نعمه فلا باس, وما كان فيه تثن وتكسّر حتى يباين أخلاق الذكور فهو مكروه لما فيه من التشبه بالنساء)) ((الآداب)) ص422
وقد تردد البيهقي في صحة هذا الحديث فقال في السنن الكبرى 10/226 هانيء بن هانيء ليس معروف جدا وفي هذا- إن صح- دلالة جواز الحجل, وهو أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح , فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز والله أعلم.
والصواب: أن الحديث فيه أيضاً عنعنة أبي إسحاق السبيعي وهو مشهور بالتدليس ثم هو كان قد اختلط فإذا أضيفت هذه العلة القادحة لما سبق من كون هانيء بن هانيء هذا مستوراً كما قال ابن حجر تبين يقينا ضعف الإسناد فإذا أضيف العلتين السابقتين كون المتن فيه زيادة منكرة لمخالفتها لرواية البخاري في صحيحه 2699 والتي فيها: ((أشبهت خلقي وخلقي)) الصحيحة ولكن لا يوجد فيها قضية الحجل أو الرقص, فحقيق بها أن تكون منكرة لا يجوز الاعتماد عليها ولهذا ضعفت هذه الزيادة في تحقيقي لمسند علي رضي الله عنه. 7/2924
والخلاصة أن الرقص الصوفي إنما هو نوع من العبث الصوفي وليس هو من دين الله تعالى في شيء فاحذر أخي المسلم ! من مخالفة نهج الصحابة والتابعين جعلنا الله وإياك من الهداة المهتدين آمين. (لا تكذب عليه متعمّدا للشيخ علي رضا ص86-87)
4) استدلالهم بقصة بريرة رضي الله عنها أن زوجها كان يتبعها في سكك المدينة يتحدر دمعه لفرط محبته لها:
قال الأمير الصنعاني رحمه الله: ومما ذكر في قصة بريرة أن زوجها كان يتبعها في سكك المدينة يتحدر دمعه لفرط محبته لها قالوا فيؤخذ منه أن الحب يذهب الحياء وأنه يعذر من كان كذلك إذا كان بغير اختيار منه فيعذر أهل المحبة في الله إذا حصل لهم الوجد ثم سماع ما يفهمون منه الإشارة إلى أحوالهم حيث يغتفر منهم ما لا يحصل عن اختيار كالرقص ونحوه!
قلت لا يخفى أن زوج بريرة بكى من فراق محبه فمحب الله يبكي شوقا إلى لقائه وخوفا من سخطه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي عند سماع القرآن وكذلك أصحابه ومن تبعهم بإحسان.
وأما الرقص والتصفيق فشأن أهل الفسق والخلاعة لا شأن من يحب الله ويخشاه فأعجب لهذا المأخذ الذي أخذوه من الحديث. سبل السلام(3/130_131)
5) استدلالهم على تقطيع ثيابهم عند الرقص بفعل سليمان عليه السلام كما في قوله تعالى: ((ردّوها عليّ، فطفق مسحا بالسوق والأعناق))
قال القرطبي: وقد استدل الشبلي وغيره من الصوفية في تقطيع ثيابهم وتخريقها بفعل سليمان هذا: ((ردّوها عليّ، فطفق مسحا بالسوق والأعناق)) وهو استدلال فاسد، لأنّه لا يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنّه فعل الفساد...
فأمّا إفساد ثوب صحيح لا لغرض صحيح فإنّه لا يجوز، ومن الجائز أن يكون في شريعة سليمان جواز ما فعل ولا يجوز في شرعنا.
6) استدلالهم بقوله تعالى: ((إذا زلزلت الأرض زلزالها)) !!
قال فضيلة الشيخ محمّد بن عبد الحميد حسونّة وفقه الله:
ومن عجيب ما يذكر هنا –والمقام مقام العجب- أن سئل هؤلاء الخرافيين –هو علي بن أبي الحسن، المعروف بـ ((الحريري))- ما الحجّة في الرقص؟
قال: ((إذا زلزلت الأرض زلزالها)) !!!
ولا غرو فقد عرف عن هذا الهالك –كما عرف عن أضرابه وأشباهه- أنّه كان ((من أفتن شيء وأضرّه على الإسلام، تظهر منه الزندقة والاستهزاء بالشرع، وذكرت عن (كذا ولعلها: عنه) أشياء يستعظم ذكرها من الزندقة، والجرأة على الله، وكان مستخفا بأمر الصلوات...))
وقال علي بن أنجب في (تاريخه): ((الحريري شيخ عجيب! كان يعاشر الأحداث)).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ((أراح الله منه العباد سنة 645 هـ)) (إبطال وحدة الوجود) لشيخ الإسلام ص(27) تحقيق. بتصرف) (الأنوار الكواشف ص 14-15)