يا باغي الخير أقبل ..بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمونيا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا
يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
أما بعد :
إليكم أيها الأحبة هذه الكلمات والتى نحن في حاجة إليها حتى الممات، إليكم هذه الهمسات ، إليك أيها المسلم عبر وعظات ، لعلي أبين فيها ما خفي عنك من الآهات و التي تهز قلبك هزا و تزيد حرصك عزا وذا بلا ممارات ، لذا فأنا أقول بعد توكلي على ربي خالق السماوات .
أخي الكريم اعلمي أن الإنسان كلما تتبع الشهوات والملذات وأتبع نفسه هواها وجد لكل هذا ثمرات وبئس تلك الثمرات ، هَم حزن ونار ....حسرات ، زفرات ، آهات ، وإلى متى هذه التألمات ،يوم يومان بل وعشرات ، شهر وشهور بل وأعوام طويلات ، وبعد هذا كله هذه التساؤلات .
هل نشعر بالسعادة فعلا في تلك الملذات ..؟ الجواب:........أم أنها لذة ثم من بعدها حسرات.؟الجواب:..................
هل لنا أخي الكريم أن نملك النجاة .؟ الجواب:.............. أخي الكريم هل فكرت في نفسك ولو للحظات.؟......
هل أنت مستيقن أخي بأن الموت آت ، وليس لنا منه مهرب ولا حتى تأجيلات .؟هل أنت مستيقن بأن للموت سكرات .؟
بل هل تعلم علم يقين بأن بعد الموت ظلمات لأهل المعاصي و المحرمات .؟
بل هل علمت بأنك ستقف أمام ربك سبحانه وتعالى ليس بينك وبينه من حجاب .؟ فيسألك عما عملت في هذه الدنيا الفانية من ذنوب كثيرة وأعمال خاسرات، كيف سيكون موقفك، بل كيف تكون الإجابات أمام رب البريات.؟
أخي الفاضل أتعلم بأن يوم القيامة له أهوال و عرصات أم أن العلم عندنا مجرد معلومات تضاف إلى رصيدنا المعرفي والثقافي .؟
تفكر أخي في هذه المواقف العظام التي ستمر بنا وبغيرنا ، موت ومعه السكرات ، أتعلم ماذا صنع النبي صلوات ربي وسلامه عليه عندما جاءته سكرة الموت لقد كان" يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إله إلا الله إن للموت سكرات . ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى . حتى قبض ومالت يده صلى الله عليه و سلم.هذا النبي الكريم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات فكيف سيكون موقفنا ونحن نسعى في الأرض الفساد بأعمالنا وأقوالنا ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وبعد هذه المرحلة العظيمة التي ستمر بنا ستتبعها مراحل كثيرات كبيرات وبعدها مباشرة القبر وما أدرك ما القبر هو أول منازل الآخرة فإما غرفة من غرف الجنة وإما حفرة من حفر النار ففي الحديث:"....فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي ; .." هذه هي الحقيقة التي لابد من معرفتها والعيش لها ، هذه هي المواقف التي لابد للإنسان أن يتفكر فيها لا أن يعيش كالأنعام. والله المستعان.
ومن بعد هذا كله قيام الساعة الكبري ليوم الحساب وفيه تكون الصعاب ويحدد المآل فإلى جنة أم إلى نار ، يوم يتبرأ الولد من أمه وأبيه وصاحبته وأخيه ، لماذا .؟ لأن له يومئذ شأن يغنيه، كل في همه كل يقول نفسي نفسي فتدبروا وتفكروا وتساءلوا كيف تكون النجاة من هذه الحسرات.؟
أخي إن السعادة كل السعادة في طاعة رب الأرض والسماوات وإتباع سنة خير النبيين محمد عليه أفضل السلام وأزكى الصلوات، كيف لا وقد وجهنا الله إليها في غير آية من الآيات فقال عز من قائل:"فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (175) وقال أيضا :"وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) وقال تعالى :"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) وقال أيضا :"لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)هذه بعض الآيات ومن قرأ كتاب الله وجد فيه الكثير من هذه التوجيهات ، أما في السنة فما أكثرها وما أنفعها لمن تدبرها وعمل بمقتضاها لمثل هذه المستجدات ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا : ومن يأبى ؟ قال :"من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" .وعنه رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم"ما تمسكتم بهما "كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض". أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصححه.
فهذه هي الطريقة المثلى والصراط المستقيم الذي من تمسك بها نجا ومن تركها واقتفى أثر غيرها غرق وأصابه الأرق.الله المستعان .
فالعجب كل العجب لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ويهنأ وينشرح صدره لهذه الحياة الدنيا ، والعجب لمن يعرف حقيقة الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها، سبحان ربي لماذا نعيش على مثل هذا الحال وفي الموت عبر وعظات .
سبحان الله كيف نركن إلى الدنيا و زخرفها وهي جيفة منتنة يصعب القرب إليه فكيف بحملها وحبها قال أحد السلف:" الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا فليصبر على معاشرة الكلاب. وفي ذلك يقول الشافعي رحمه الله تعالى:
وما هي إلا جيفة مستحيلة ***** عليها كلاب همهن اجتذابها
و أفضل من هذه الأقوال قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالما أو متعلما ".
1- اعلم رحمك الله أن النفس الأمارة بالسوء عدوة الانسان وهي كمثابة الدرع المساعد لإبليس اللعين ، وإنما يتقوى الشيطان بهوى النفس وشهواتها ، فهي سلاحه الذي يصيد به وهل أوقع إبليس في كبره واستكباره ومعصيته وكفره إلا نفسه ، ولقد حذرنا الله منها في كتابه الكريم فقال جل من قائل : " إن النفس لأمارة بالسوء " فلا تغرنك نفسك بالأماني والغرور ، لأن من طبع النفس الأمن والغفلة والراحة والفترة والكسل والعجز فدعواها باطل وكل شيء منها غرور ،فمن رضي عنها واتبع أمرها اهلكته ، ومن عجز عن مخالفتها واتبع هواها قادته إلى النار وبأس القرار، وهي رأس البلايا ومعدن الفضيحة وهي خزانة إبليس ومأوى كل شر ولا يعرفها إلا خالقها . فنعوذ بالله من شرها .
2- واعلم أيها الإنسان العاقل أنه لابد لنا أن نتوب من الدنوب الماضية والحاضرة ، من رياء أو كبر أو عقوق أو قطيعة رحم ، سواء أكانت ذنوب عملية أو حسية وكل شخص بما يقع فيه من المعاصي أعلم فلا بد لنا من الرجع إلى الله تعالى في كل حين .
فبادر متابا قبل أن يغلق بابه ***** وتطوى على الأعمال صحف التزود
ومثل ورود القبر مهما رأيته ***** لنفسك نفّاعا فقدمه تسعد
ولنتفكر أيها الإخوة الكرام فيما يقرب إلى الله والدار الآخر، وعلينا أن نكثر من ذكر الله وطاعته ، وأن نتجنب المعاصي كلها صغيرها وكبيرها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، وعلينا أن نسأل الله الثبات بالقول الثابت حتي الممات .
3- تفكروا بارك الله فيكم في تلك اللحظات التي لابد منها ، تفكروا في تلك الحفرة التي لا مهرب منها ، تفكروا في الموت وسكرته والقبر وضمته ، ثم ابكوا على الذنوب التي نحن فيها ثم اسألوا أنفسكم هل أن أعمالنا التي نعمل ستنجينا أم أننا قد غرتنا عباداتنا وطاعتنا لرب البريات ، بل أين تلك العبادات ، تجاوزات كثيرة خطيرة ثم نأمن على أنفسنا الممات والوقوف أمام رب السماوات ، إخوتي في الله فلينظر كل واحد منا إلى أعبد رجل يعرفه هل بلغ في عبادته هذه مبلغ السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين حتي نأمن على أنفسنا .
وإن الرجل منا إذا تصفح سيرة السلف الصالح لوجد العجب العجاب ، ليجد من أعمالهم مالا يدركه إلا أولوا الألباب ، وهذا والله لبعدنا عنهم وعن أخلاقهم بعد السحاب ، فلنقرأ مثلا إلى قول على رضي الله عنه وهو يصف أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر اليوم شيئا يشبههم ، كانوا يصبحون صفرا شعثا غبرا ، بين أعينهم أمثال ركب المَعزى ، قد باتوا سجدا وقياما ، يراوحون بين جباههم وأقدامهم ،فإذا أصبحوا تمادوا كما يميد الشجر يوم الريح ، وهملت أعينهم بالدموع ، فوالله لكأني بالقوم باتوا غافلين . وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يقسم الليل أثلاثا بينه وبين جاريته وبين أمه .فرضي الله عنهم أجمعين .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:" إن أبا بكر رضي الله عنه قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به وإني لأخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ."
قال ابن بطة رحمه الله تعالى معلقا : هذا يا إخواني الصديق الأكبر يتخوف على نفسه من إن هو خالف شيئا من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، فماذا عسى أن يكون في زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته، نسأل الله عصمة من الزلل ونجاة من سوء العمل .
قلت معلقا : هذا الصدق ثم ابن بطة يقولان هذا الكلام ويخافون من الزيغ والهلاك وهم أقرب إلى زمن الرسالة علما وعملا ، فكيف يكون موقفنا نحن وقد ابتعدنا عنها زمنا وفعلا ، بل قد تمادينا في الشهوات وغرتنا الأماني المهلكات ، فلا تجد في مجالسنا إلا الضحكات المبكيات ، بل تجاوزنا هذا كله إلى ترك الواجبات كتأخير الصلوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهذا مالك ابن دينار رحمه الله تعالى يقول:" اصطلحنا على حب الدنيا، فلا يأمر بعضنا بعضا ولا ينهى بعضنا بعضا، ولا يدعنا الله على هذا فليث شعري أي عذاب الله ينزل بنا.."
قيل لإبراهيم ابن الأدهم كيف أنت فقال:
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ***** فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّع
فطوبا لعبد آثر الله وحده ***** وجاد بدنياه لـما يتوقّع
وقال آخر :
وما هذه الأيام إلا مراحل ***** تقرب من دار اللقا كل مبعد
ومن سار نحو الدار خمسين حجة **** فقد حان منه الملتقى وكأن قد
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى :" صحبت أقواما ، وخالطت طوائف ، ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ، ولا يأسفون على شيء منها أدبر ، ولهي كانت في أعينهم أهون من التراب ، ولقد كان الواحد منهم يعيش خمسين سنة ، أو ستين سنة ، لم يطو لهم ثوب ، ولم يوضع بينه وبين الأرض شيئا ،، ولا أمر من في بيته بصنعه طعام قط ، فإذا كان الليل فقيام على أقدامهم يفترشون وجوههم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يناجون ربهم في فكاك رقابهم ، فإذا فعلوا حسنة دأبوا في شكرها ، ورجوا الله أن يقبلها منهم ، وإذا فعلوا سيئة أحزنتهم ورجوا الله أن يغفرها ، فوالله ما سلموا من الذنوب ، ولولا مغفرة الله ما نجوا فرحمة الله عليهم ورضوانه ......" فأين نحن منهم ومن اجتهاده في طاعة الله عزوجل و تمسكهم بسنة نبيهم ومع هذا فهم كما ذكر الحسن رحمه الله تعالى .
بل إن الحسن نفسه يقول عنه من رآه : " كان إذا أقبل فكأنما أقبل من دفن حميمه ، وإذا جلس فكأنه أسير أمر بقطع رقبته ، فإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له ..." فسبحان الله أين هذا من مجالسنا اليوم لعب و ضحك ولهو وكأنا ضمنا لأنفسنا الجنة والنجاة واتخذنا عند الله عهدا ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقال بعضهم :
ان امرأ باع أخراه بفاحشة ***** من الفواحش يأتيها لمغبون
ومن تشاغل بالدنيا وزخرفها ***** عن جنة مالها مثل لمفتون
وكل من يدعي عقلا وهمته ***** فيما يبعد عن مولاه مجنون
وقال أحد السلف :
ألا إنما الدنيا كجيفة ميتة ***** وطلابها مثل الكلاب الهوامس
وأعظمهم ذما لها وأشدهم ***** شغفا قوم طوال القلانس
ويقول من رأى سفيان : كنا إذا جلسنا إلى سفيان كأن النار قد أحاطت بنا ، لما نرى من خوفه وجزعه .
وصلى ابن أبي الأوفى قاضى الكوفة بالناس الفجر بسورة المدثر فلما بلغ قوله عزوجل :" فإذا نقر في الناقور فذلك يوم عسير على الكافرين غير يسير ." أخدته شهقة فمات .مات ...!!من ماذا مات .؟ نعم قتلته آية .
وقال آخر :
مضى الدهر والأيام والذنب حاصل ***** وجاء رسول الموت والقلب غافل
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة ***** وعيشك في الدنيا محال وباطل
وقال الحسن البصري رحمه الله تعال :" إن قوما ألهتهم أماني المغفرة ، حتي خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ." وصدق رحمه الله تعالى .
وقال آخر :
تفكرت في حشري ويوم قيامتي *****وإصباح خذي في المقابر ثاويا
فريدا وحيدا بعد عز ومنعة ***** رهينا بجرمي والتراب وساديا
تفكرت في طول الحساب وعرضه ***** وذل مقامي حين أعطى حسابيا
ولكن رجائي فيك ربي وخالقي ***** بأنك تعفوا يا إلهي خطائيا
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى : المبادرة المبادرة إنما هي الأنفاس ، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عزوجل ، رحم الله امرءا نظر في نفسه ، ثم بكي على عدد ذنوبه ،ثم قرأ "إنما نعد لهم عدا " آخر العدد خروج نفسك ، آخر العدد فراق أهلك ،آخر العدد دخولك قبرك.
وكان الحسن ابن صالح أحد عباد التابعين يقسم الليل بينه وبين أمه وبين أخيه، فلما ماتت أمه صار يقسم الليل بينه وبين أخيه ، فلما مات أخوه صار يقوم الليل كله . وباع الحسن ابن صالح جارية إلى قوم، فقامت في منتصف الليل تقول: الصلاة يا أهل الديار.فقالوا: أأصبحنا.فقالت: ألا تصلون إلا المكتوبة، فلما كان الصباح ذهبت إلى الحسن تقول له بعتني إلى قوم لا يصلون إلا المكتوبة، ردني ردني.
أيها الأحبة الكرام هذه هي حالة السلف مع الله عزوجل قيام بالليل صيام في النهار، واعلموا رحمكم الله تعالى أن القلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يطمئن إلا بعبادة الله وحده والإنابة إليه ، ولو حصل كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن ، إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه بالفطرة من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه ، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة .هكذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
فالرجوع الرجوع إلى الله ، والتوبة والإنابة إليه لعلنا نفوز ونظفر بالنعيم المقيم في جنة عدن عند مليك مقتدر.
هذا ما وسعنا قوله في هذا المقال ولعلي قد أطلت فيه ولكن لكل مقام مقال ، فمعذرة على الإطالة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كتبه ناصحا راجيا عفو ربه أبو يعقوب يوسف بن علي السلفي غفر الله له.
http://www.al-barq.net/showthread.php?t=9263