بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمــة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "
وإن موت العلماء يعتبر نكبة على الأمة الإسلامية لأن في بقائهم الخير لهذه الأمة أما: عند ذهابهم فإن الشرور تكثر وأهل الباطل بجميع أصنافهم يجدون سبيلاً لترويج باطلهم لأنهم عند وجود العلماء يكونون خامدين مدحورين وعند وفاة أولي العلم يكثر الخلاف والفرقة لأن الجهال يتصدرون ويريدون أن يكونوا هم العلماء هم أهل الفتوى هم المرجعية والله المستعان .
وان الأمة الإسلامية قد فقدت عالماً من هؤلاء العلماء فقدت عالماً مجاهداً مجدداً إنه العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله الذي وافانا خبر وفاته في ليلة الأحد الأول من شهر جمادى الأولى سنة اثنين وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة (1) فرحم الله أبا عبد الرحمن واسكنه الفردوس الأعلى.
مكث في اليمن أكثر من عشرين عاماً في التدريس والدعوة والتأليف دحض الله به البدع وأقام به السنة قمع به التشيع والتصوف والتحزب لقد كان شجاً في حلوق أهل الباطل جميعاً.
وفد هذا العلامة اليمن سيما بلده صعدة والناس تحت وطأة الرفض و التشيع فبين لهم السنة من البدعة وبين لهم المنهج السلفي ودعاهم إليه وحذرهم من مناهج أهل البدع فصاروا له مناصرين إلا من استحب العمى على الهدى وقليل ما هم.
وجدهم يطوفون بالقبور ويستغيثون بأهلها ويذبحون لهم فبين لهم أن هذا العمل شرك لا يغفره الله وأن من مات مصراً على ذلك مات كافراً إلا أن يتوب.
أسس دار الحديث السلفية وعلم وصبر على تعليم الناس فتخرج على يديه الجم الغفير من العلماء والدعاة وحفظة القرآن والسنة يدعون إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ومع هذا النفع العظيم الذي كان أبو عبد الرحمن سبباً في وجوده مع هذا كله كان أبو عبد الرحمن يقول: كل هذا لا بحول منا ولا قوة ولا بسبب كثرة علمنا ولا شجاعتنا ولا فصاحتنا في الخطابة ولكن أمر أراده الله أن يكون فكان ولله الحمد والمنة الذي وفقنا لذلك.
فرحم الله أبا عبد الرحمن لقد افتقده أهل اليمن خاصة والعالم الإسلامي عامة وقد تذكرت أبياتاً كان رحمه الله يتمثل بها فإنه كان يحب مناقشة طلابه في دروسه فسأل مرة عن بعض طلابه فلم يكونوا موجودين فطفق يقول:
سيذكرني قومي إذا جد جد هموا
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فرحمك الله وجزاك خيراً ما جزا عالماً عن طلابه ومع هذا فقد كان أبو عبد الرحمن يعلم طلبته على أن يعلقوا الدعوة بالله وأن لا يعلقوها بشخص فقد سمعته يقول في 18/3/1420هـ في أحد دروسه { لا تعلقوا الدعوة بشخص وأنه لو مات ماتت الدعوة علقوها بالله }
وعلى كل فإن الله سبحانه وتعالى : قد حكم على جميع خلقه بالفناء حتى أنبياءه صلوات الله وسلامه عليهم قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
هذا وإني قد كنت شرعت في كتابة هذه الترجمة بمكة المكرمة قبل وفاته عندما كان نزيلاً بها فترة علاجه ثم رجعت إلى دماج فلما جاءنا خبر وفاته اجتهدت في إكمالها (2) وهذا من حقه علينا فإن (3) [للعلماء علينا من الحقوق ما تركه يتم العقوق ومن رعايتهم ضبط أحوالهم الشريفة وتدوين مناقبهم المنيفة وتقليد محاسنهم في بطون الأوراق والمحافظة على حفظ نتائج أفكارهم التي هي من أنفس الأعلاق ومن ذلك تعظيمهم باللسان والجنان والأركان وعدم التعرض لما يئذيهم بالدخول في أعراضهم والاستهانة بمناقبهم الجزيلة الجليلة والتقعد لهم بمراصد الاستخفاف والتنصب لهم بمنصة الخلاف] (4).
وقد ورد في الآيات الفرقانية والأحاديث النبوية والآثار المصطفوية ما يقتضي النهي عن ذلك وتغطي بمن عمل به أيمن المسالك ".
وقد اشتملت هذه الترجمة على أمور وهي: (اسم الشيخ)(نسبه) (بداية طلبه للعلم) (رحلته) (عودته إلى اليمن) (رجوعه إلى أرض الحرمين ونجد) (دراسته بالجامعة) (سجنه) (ترحيله) (وصوله إلى اليمن) (بداية الدعوة) (آثاره العلمية) (شيوخه) . (طلبته ) (شجاعته) (حرصه على طلاب العلم) (عزة نفسه وعفته) (صبره وزهده) و(كرمه ) (تواضعه) و( ورعه ) (حرصه على الدعوة حرصه على العلم ) ومراجعته ( أعداؤه) (زوجاته) (حياته العائلية) (فوائد من مجالسه) .
وما لا يدرك جله لا يترك كله وأسأل الله العلي القدير أن يرحم شيخنا وأن يتجاوز عنه وأن يسكنه فسيح جناته إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه أبو همام
محمد بن علي بن أحمد فرج
الصومعي البيضاني
مكة المكرمة
====================
الحاشية:
(1) توفي بمدينة جدة بمستشفى الملك فيصل التخصصي عن عمر يناهز السبعين عاماً بسبب مرض تليف الكبد وصلي عليه بالمسجد الحرام بعد صلاة الفجر من يوم الأحد ثم دفن بمقبرة العدل بجانب الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين حسب وصيته التي أوصى بها على سرير مرضه وقد صلى عليه مجموعة من اهل العلم وطلابه : منهم شيخنا العلامة ربيع بن هادي مدخلي وشيخنا الفاضل وصي الله بن محمد عباس والشيخ صالح بن حميد والشيخ محمد بن علي آدم والشيخ محمد بن عبد الوهاب البنا وغيرهم من العلماء وطلبة العلم.
(2) ولكن شاء الله أن تتأخر
(3) مقدمة " حدائق الزهور " لحسن بن أحمد عاكش
(4) واعلم وفقني الله وإياك أن علماءنا كانوا شديدين على من يستخف بعلماء أهل السنة لأنه لا يتولى الطعن فيهم والغمز واللمز إلا صاحب هوى قال الإمام الحاكم في المعرفة ص 110 سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول كنت أنا وأحمد بن الحسن عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال أصحاب الحديث قوم سوء فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال زنديق زنديق زنديق ودخل البيت
وقال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (ص 299) : وعلامة أهل البدع على أهلها ظاهرة بادية واظهر آياتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم.