بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمّا بعد: فهذه بعض
الأسئلة التي نقدِّمها إلى شيخنا الفاضل أبي محمّد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى وهذه
الأسئلة وافقَت ليلة الخميس الرابع عشر من شهر رمضان لعام 1420ﻫ:
الأسئلة:السؤال الأول:في نظركم أيّ الطوائف الإسلامية المبثوثة في الساحة أكثر خطرًا على الإسلام وأهله، ومجانبةً
للمنهج السلفي؟
الجواب:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد: فالبدع شرٌّ كما وصفها رسول الله صلى الله
عليه وسلم في كثير من خطبه، فكانت كلّ خطبه أو جُلّها لا تخلو من تحذير من البدع وذمّ لها،
وبيان أنّها شرّ الأمور.
<< ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الكَلاَمِ كَلاَمُ اللهِ وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَشَرَّ
الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ـ هنا الشاهد ـ وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ
ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ >> الحديث في مسلم([1]) دون زيادة << وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ >> فإنّها
في غير مسلم وهي صحيحة ثابتة([2]).
فالشاهد:
أنّ البدع كلّها شرّ، والله تبارك وتعالى يقول: [ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ
اللهُ ] ([3])؟! فالبدعة تشريع في دين الله، واعتبار المشرِّعين مشاركين لله في التشريع ـ والعياذ
بالله ـ فيكونون شركاء.
حقّ التشريع ليس إلاّ لله فهو الذي يُشرِّع العقائد والمناهج والعبادات والحلال والحرام، هذا من
حقِّه وحده، والرسول عليه الصلاة والسلام إنّما هو مبلِّغ ويقول: << أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ
حَرَامًا وَلاَ أُحَرِّمُ حَلاَلاً >>([4]). عليه الصلاة والسلام إنّما هو مبلِّغ [ إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاَغُ ]
([5]) فالذي يخترع بدعًا جعل نفسه شريكًا لله تبارك وتعالى في هذا الحقّ العظيم.
فيجب أن لا نحصر ـ كما يحصر السفهاء الآن من السياسيين ـ تحريم التشريع فقط في مجال
السياسة، وتُوجَّه الأنظار إلى مصارعة الحكام، مع أنّ رؤوس أهل الضلال ومخترعي البدع في
دين الله أشدّ ظلمًا، وأشدّ فجورًا وأشدّ خطورة من الحكام الفاسدين الذين يتلّقون التشريعات من
اليهود والنصارى وغيرهم.
لأنّ هذا الفاجر وهو فاجر يقول لك هذه القوانين أخذتها من الغرب من أوربا وأمريكا، وما يقول
لك: نزلَت من السماء، لكنّ هذا المبتدع الخطير يقول لك: هذا دين الله هذا شرع الله وفي نفس
الوقت الذي شرعه الله من التوحيد ومن سنن الهدى يحاربه، يحارب تشريع الله الحقّ وينفِّر منه
ويدعو إلى بِدَعِهِ على أنّها من دين الله.
ومِمّا قلنا غير مرّة فيما كتبناه وفي جلساتنا: إنّ الله تبارك وتعالى ما أنزل في القرآن: عليكم
بكسرى عليكم بقيصر، ثُورُوا على فلان، ثُورُوا على النجاشي، ما فيه (مثل) هذا في القرآن، إنّما
في القرآن: [ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ
لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون ] ([6]).
وأهان اليهود وأهانهم وأهانهم وهم ليس فيهم حكام وليست لهم دولة لماذا؟ لأنّهم بدَّلوا دين الله
وحرَّفوا دين الله.
فرؤوس الضلال من أهل البدع من جهمية، ومعتزلة، وخوارج، وصوفية، وأهل الحلول وأهل
وحدة الوجود، هؤلاء أمرهم خطير على الإسلام والمسلمين.
كذلك الأحزاب السياسية الناشئة الآن التي ورثت الكثير من هذه الموروثات الضالّة من العقائد
الفاسدة، والانحرافات في شتّى الأبواب ورثوها وأضافوا إليها بدعًا جديدة من الغرب ومن الشرق،
فأضافوا الديمقراطية، وأضافوا الاشتراكية، وأضافوا التمثيل والأناشيد، وأمورًا خطيرة لا يحصيها
إلاّ الله تبارك وتعالى.
أضافوها إلى تلك البدع التي قاومها أهل السنّة بكتاب الله وبسنّة رسول الله، وقال فيها أفاضل
أئمّتهم: أهل البدع والوضّاعون أشدّ ضررًا من الأعداء الخارجيين من اليهود والنصارى
والمجوس والوثنيين وغيرهم، وأشدّ ضررًا على الإسلام من الوثنيين، لأنّ العدو يحاصر البيت من
الخارج، وهذا يخرِّب في البيت من الداخل، المبتدع يخرِّب البيت من الداخل، ثمّ يفتح الباب للعدو
ويقول له: ادخل.
هكذا ضربوا مثلاً لأهل البدع لبيان شرّهم وخطورتهم([7]).
وأنا في نظري: أنّ أخطر أهل البدع الآن على المنهج السلفي وأهله جماعتان جماعة التبليغ
وجماعة الإخوان بفصائلها، وشرّهم مستفحل أكثر من أهل البدع جميعًا، فلا تترك فتنتهم بيتًا إلاّ
دخلته.
لأنّ أهل البدع من خوارج وروافض ومعتزلة كانوا منطوين على أنفسهم منعزلين مقموعين لا
يدخلون مساجد أهل السنّة فيستولون عليها، ولا ينصِّبون أنفسهم أئمّة وخطباء فيها، ولا يدخلون في
مدارسهم، ولا يتسلّلون إلى بيوت المسلمين: إلى نسائهم وصبيانهم.
أمّا هؤلاء ما تركوا موقعًا إلاّ وتسلّلوا فيه وتسلّلوا إلى الابن وإلى المرأة وإلى البنت وإلى البيت
وإلى المسجد وإلى كلّ موقع من مواقع المسلمين من مواقع أهل السنّة.
فلاشك أنّ خطرهم شديد جدًّا في الوقت الذي ميَّعوا فيه الإسلام، ميَّعوا فيه العقائد وحطُّوا من
شأنها، لا بالكلام ولكن بالعمل، فتراهم يحاربون مَن يدعو إلى العقيدة ويسخرون منه، ومَن يدعو
إلى الكتاب والسنّة ويسخرون منه ويحاربونه([8]).
ويحبّون أهل البدع ويوالونهم ويضعون أصولاً([9]) ـ كما قلنا ـ لم يهتد إليها الشيطان منذ فجر
تاريخ البشرية إلى يومنا هذا([10]). ولم تهتد إلى هذه الأصول كلّ فرق الضلال من الخوارج
والمعتزلة والمرجئة الخ.
واخترعوا هذه الأصول تمويهًا وكذبًا على القرآن والسنّة وبترًا وخيانة في كلام العلماء، وأخرجوا
كتبًا تنادي بمنهج الموازنات، لماذا؟ لحماية البدع وأهلها وكتبها ومناهجها، وللحطّ من أهل السنّة
والجماعة اخترعوا (فقه الواقع) لإسقاط المنهج السلفي وعلمائه>([11]).
والتهم السياسية التي أخذوها من البعثيين، من العلمانيين من الشيوعيين، من الماسونية ومن
غيرهم.
فلا يتحرّك إنسان للدعوة السلفية إلاّ قالوا عليه: جاسوس.
بالأفكار هذه غرسوا في أذهان شبابهم أنّ هذا الجاسوس أحقر من اليهود والنصارى والشيوعيين.
وكلّ بلاء فيهم يَقذِفون به الأبرياء، فخطرهم شديد على الإسلام والمسلمين من جهات متعدّدة.
نسأل الله أن يهديهم أو يكفّ بأسهم عن الإسلام والمسلمين فإنّ أفاعيلهم هذه كلّها ينسبونها إلى
الإسلام وكثير من فصائلهم ينسبونها إلى المنهج السلفي ظلمًا وزورًا وكذبًا.
فنسأل الله العافية، ونسأل الله أن يُبصِّر شباب الأمّة ليعرفوا دين الله الحقّ، ويعرفوا مَن يدعو إلى
هذا الحقّ ويذبّ عنه، وهم ولله الحمد موجودون وكثيرون في الشام، في اليمن، في الشرق في
الغرب، نسأل الله أن يُعلي بهم راية السنّة، وأن يقمع بهم أهل الباطل، وأن يحقّق في الموجود
منهم ناصري الحقّ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : << لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى
الحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ >>([12]).
.